بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 7 مارس 2018

العدل والأخلاق... وخاتم غيجس

كان السؤال في فلسفة الأخلاق، قديماً وحديثاً، عن أصليّة الأخلاق وهل هي جزء من طبيعة الإنسان أم أنها شيء ابتدعه ليحمي نفسه!

فالإنسان يعيش في مجتمع لأسباب تتعلق بالبقاء بالدرجة الأولى. فالصيد مثلاً، وسيلة القوت الأولى للإنسان الأول، يحتاج إلى تضافر جهود مجموعة من الأفراد. وكذلك مقاومة الوحوش الضارية، وغير ذلك من أشياء اضطرت الإنسان للعيش في جماعات. وفي هذا العيش يظهر التفاوت بين الأفراد، لأسباب طبيعية في مرحلة أولى، فليسوا جميعهم بالقدر نفسه من القوة أو الحيلة. وهذا سيجعل لبعضهم سلطة على بعض، وسيترافق ذلك مع الحيازة والتملك، الخ. وهذا العيش المشترك يتطلب في لحظة ما قواعد وسلوكيات على الجميع احترامها للإبقاء على قدر معقول من التوازن وتجنيب أفرادها الصدام بين بعضهم. وهو أمر تطور في نهايته إلى نوع من العقد الاجتماعي، المدوّن أو الضمني. وفي أساسيات هذا العقد الاجتماعي احترام وصيانة حد معقول من الحقوق. نجم عن ذلك وضع شرائع وقوانين تنفذها سلطات الجماعة.

ولكن السلطات كانت، ولا تزال، لا تنفذ القوانين دائماً، وإنما تراعي مصالح ومصالح. وفي صخب كل هذا كانت الدعوة إلى الفضيلة. الفضيلة التي تخاطب مشاعر الناس وتدعوهم إلى الالتزام بفضائل مثل العدل والشجاعة والرحمة والحكمة. لأن فيها خير للبشر، ذلك أن "الدنيا يوم لك ويوم عليك"، وأن احترام هذه الفضائل سيكون فيه خير الجميع وسلامتهم. ولكن هذا لم يمنع من سؤال: هل هذه الفضائل هي من طبيعة الإنسان أم أنها اختراع من بنات أفكاره؟ فلماذا على القوي أن يكون عادلاً؟ فلا يطالب بالعدل إلا الضعيف، والقوي سيكون حقه محفوظاً. كما أن الشجاعة لا يحلم بها إلا الجبان، فالشجاع شجاع بنفسه ولا يحتاج إلى تذكيره بذلك. وهذا حال كل الفضائل أو الأخلاق بما هو أعم.

موت سقراط احتراماً للقوانين
شغلت هذه المسألة الفلاسفة منذ بدايتها. فالبعض يقول بأن أحداً لن يتردد بإنقاذ طفل يكاد يسقط في بئر. ويرد البعض بأن هذا نتيجة موقف انفعالي وليس آت عن طول تفكير. فقد نتردد في إنقاذ رجل بالغ، أو عجوز شمطاء! وفي حوارات سقراط مع شقيق أفلاطون يرد ذكر أسطورة غيجس. وهي بإيجاز أن راعياً فتياً، عثر ذات يوم على خاتم له ميزة أنه إذا وضع جوهرته باتجاه داخل اليد يصبح خفيّاً، وإذا أعاده إلى الوضع الطبيعي يصبح مرئياً. قرر غيجس أن يستخدم ذلك للتقرب من الملك، وأغرى الملكة التي كانت تكره زوجها وتآمر معها على الإطاحة بالملك وتنصيب نفسه، وهذا ما فعل وأصبحت الملكة زوجته. أي أن هذا الراعي البسيط لم يتورع عن القيام بأبشع الأشياء مستخدما خاتمه الذي يحميه من رؤية الآخرين لتصرفاته الشنيعة، ولولا هذا الخاتم وقدرته السحرية لبقي الراعي "طيباً" يطالب بالعدل! وهنا يقول شقيق أفلاطون لسقراط: هل لك أن تتخيل وجود شخص يملك مثل هذا الخاتم ولا يفعل ما فعله الراعي؟

يعترف سقراط بأن الأخلاق وضعيه وأنها ليست ضرورة طبيعية، ولكنه يجيب: إن الراعي بفعلته أصبح عبداً لجشعه ولن يكون سعيداً أو مرتاح البال، أما الشخص الذي يملك مثل هذا الخاتم ولا يفعل ما فعله الراعي فسيكون حراً وسعيداً، إذ أنه ملك القدرة ولكنه ضبط نفسه ونام قرير العين... جواب لم يقنع الفيلسوف نيتشه الذي كان يقول بأن الفضيلة ابتدعها الأقوياء لامتطاء ظهور الضعفاء الذين يسعدون بذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق