بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

مندل الراهب... مندل عالم الوراثة

ولد يوهان مندل عام 1822 لأبوين نمساويين ضاقت بهما الحال في متابعة ابنهما للدراسة بالرغم من تفوقه. ساعده أستاذه في الحصول على منحة تقوده إلى الرهبنة والحصول على شهادة جامعية. وأُلحق بدير القديس توماس في مدينة برنو التشيكية. ولكن هذا الدير كان مركزاً للبحث والدراسة بقدر ما كان ديراً للعبادة والتنسك. وفي عام 1847 رُسِّم راهباً في الدير. وتابع دراسته بين الدير وجامعة فينا. وفي برنو أصبح مدرساً للعلوم الطبيعية في ثانويتها مع متابعته لأبحاثه في النباتات. ومن بين اهتماماته كان تحسين النوع، وهو اهتمام كان أبوه يؤكد عليه بأن تطعيم الأشجار يحسّن من إنتاجها ونوعية ثمارها. لذا أخذ يقلّب الأمر بأنواع البازلاء السريعة النمو مقارنة بالأشجار. وأخذ يبحث في مزاوجة (مصالبة) نوعين خالصين من البازلاء، لكل منهما خصائصه، ومزاوجتهما ستؤدي إلى نوع جديد بخصائص مختلفة كما كان يأمل.


الجدول1: بازلاء صفراء نقية طاغية وخضراء نقية
مستكينة وجيل أول أصفر بأكمله
الجدول2: بازلاء جيل أول ينجب جيلاً ثانياً
واحدة خضراء خالصة وثلاثة صفراء إحداها خالصة

لنهتم بإحدى الخصائص وهي اللون مثلاً. فقد زرع مندل نبتتين من البازلاء، الأولى صفراء أباً عن جد والثانية خضراء أباً عن جد، أو نقول عنهما بأنهما صفراء خالصة وخضراء خالصة. وبمزاوجة الأزهار كانت البازلاء الناتجة كلها صفراء في الجيل الأول. وهذا ما أثار استغراب مندل. فهو يعرف أن زواج شخص ببشرة سوداء مثلاً من امرأة ببشرة بيضاء يعطي أولاداً ببشرة سمراء هي مزيج بين الأبيض والأسود، فلماذا لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للبازلاء؟ وفي محاولته لفهم ذلك افترض مندل أن كل حبة بازلاء تحتوي على مورثات. وأن كلاً من هذه المورثات تتألف من فرعين، أولهما فرع طاغ والثاني فرع مستكين. بمعنى أن الفرع الطاغي يفرض نفسه على الفرع المستكين إن اجتمعا معاً. وأن تزاوج المصالبة ينجم عنه نوع جديد هو حاصل اجتماع الفرعين، على طريقة الجدول1، التي يظهر فيها أن النتيجة ستكون بازلاء صفراء في الجيل الجديد الأول وذلك لأن فرع التوريث الأصفر هو فرع طاغ، أي أنها بازلاء صفراء تحمل في مورثاتها البازلاء الخضراء. ولكن بازلاء الجيل الأول هذه تعطي عند مزاوجتها فيما بينها بازلاء خضراء واحدة مقابل ثلاث حبات صفراء، وهذا يتفق مع تفسير مندل كما تبين ذلك الجدول2.

الجدول3: الجيل الأول لفرعي توريث طاغيين
النتيجة مزيج من اللوننين
الجدول4: الجيل الثاني لجيل ناتج عن
 فرعين طاغيين. أحدهما أبيض خالص، وآخرأسود خالص
واثنان سمراوان
ولكن مندل بقي محتاراً، ذلك أن جداوله لا تفسر البشرة السمراء لأطفال الزوج الأسود والزوجة البيضاء. لكنه لم يمض وقتاً طويلاً للعثور على الإجابة. والجواب هو في سؤال: ماذا لو كان طرفا الزواج المتصالب بفروع وراثية طاغية؟ الناتج سيكون مزيجاً من الاثنين في الجيل الأول كما يظهر ذلك في الجدول3. أما في الجيل الثاني الناتج عن الجيل الأول فسيكون الأمر غير ذلك كما يظهر في الجدول4.

يمكن متابعة ما سيحدث في الأجيال القادمة بالطريقة نفسها. وكذلك يمكن النظر في مواصفات أخرى غير اللون مثل تجعّد حبة البازلاء أو كونها ملساء، أو طول ساق البازلاء الخضراء وطول ساق البازلاء الصفراء وغير ذلك. وهذه النتائج تمثل قانوني مندل في الوراثة، الأول والثاني.. ولكن نظرية مندل بالرغم من تطابقها مع الكثير من الوقائع إلا أنها لا تفسر كل شيء. فالقطة السوداء بزواجها من قطة بيضاء لن تعطي قطة رمادية دائماً ولكن أحياناً، وربما غالباً، قطة مرقطة من الأبيض والأسود... للطبيعة قوانينها، أو بالأحرى هي بلا قوانين وإنما تتصرف كما تشاء وكما يحلو لها...

لا نعرف الكثير عن حياته الشخصية، فكل أوراقه الشخصية أتلفها الراهب الذي احتل غرفته بعد وفاته عام 1884 وكان فيها كل مراسلاته الشخصية ونتائج أبحاثه ومسوداته. وما نعرفه أتى مما ترك من كتب ومقالات ومعلومات مدونة في الدير أو الجامعة عنه... وكذلك للرهبان قوانين وقواعد وأمزجة أيضاً.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق