بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 25 يوليو 2016

الموسيقا... تستهوي البقر



قيلت أشياء كثيرة عن الموسيقا، فهي أولى الفنون التي عرفها الإنسان، لها محاكاة الفرح والحزن، وبالتواصل بنقل المشاعر والأحاسيس. الموسيقا هي تركيب للصوت والصمت داخل الزمن وفق إيقاع وشدة تختلفان من مرة إلى أخرى. تستخدم قواعد محددة، بسيطة أو مركبة (مثل العلامات الموسيقية، والسلم الموسيقي وصياغاتها). وتستخدم الأصوات الإنسانية، مفردة أو جماعة، والآلات الموسيقية المصنوعة لغرض الموسيقا.

وجدت الموسيقا منذ فجر التاريخ، ولها أكثر من تاريخ بحسب الثقافة والحضارات التي وجدت فيها، فهناك الموسيقا الغربية والموسيقا الشرقية، وهناك موسيقا النخبة والموسيقا الدينية والموسيقا الشعبية. وهذا ما يجعل الموسيقا أصعب تناولاً على الدراسة التاريخية بعكس الفنون الأخرى كالشعر والقصة وغير ذلك. كما أن غياب تدوين الموسيقا يجعل من تأريخها مسألة شائكة. فمن يستطيع أن يحدد متى بدأ الإنسان الغناء أو الرقص؟ لا أحد يملك دليلاً قاطعاً! وهل اللغة ضرورية للغناء أم أن الغناء سابق للغة؟ هناك من يقول بأن الموسيقا شيء غريزي، وهناك من يقول بأنها من أصل ثقافي اجتماعي فقط نظراً لطابعها الإبداعي. ومن الصحيح أن بعض الثدييات والطيور تغني بشكل غريزي ولكن لا إبداع لديها وتأثرها ضعيف بالموسيقا الإنسانية. وهي على الأغلب كذلك، فأهل ثقافة ما يفضلون موسيقاهم ويطربون بها في الوقت الذي تبدو هذه الموسيقا لأبناء ثقافة أخرى مجرد أصوات قد تكون مملة أو مزعجة، أي أن هناك جانباً تعلميّاً في المسألة يتدرج مع التقدم بالعمر. كما أن التأثر بالموسيقا يختلف من الذكر إلى الأنثى، ومن المثبت أن الأنثى أشد تأثراً بالموسيقا من الرجل.

ولمعرفة فيما إذا كانت الموسيقا أمراً غريزياً فقد أجريت تجارب عن نوع من القردة الأمريكية التي تشترك مع الإنسان في 98% من مورثاتها، ولكن القردة لم تظهر أي اهتمام بالموسيقا. إذاً فالأمر على الأغلب ليس غريزياً! هذا ما نعرفه حتى الآن، ربما لم نجر التجارب الصحيحة! ولكننا لا نعرف أيضاً إذا كانت الحيتان تسعد بالأصوات الجميلة التي تصدرها وكذلك الطيور. كل ما نعرفه أن الطير الذي لا يغرد يعاني من مشكلة في وسطه، وهذا ليس بحال الإنسان.

وبين هذا وذاك، فقد بينت حالات كثيرة تأثر كائنات أخرى بالموسيقى، مثل النباتات التي يتحسن نموها مع الموسيقى، أو توقف بعض الحيوانات البرية للإصغاء إلى موسيقا تعزف بالجوار كما في حال أبقار انشدت إلى مجموعة أشخاص يعزفون موسيقى الجاز كما يبين ذلك هذا الرابط. البعض يقول بأن هذا ليس إلا لتضمنه ترددات تعرفها هذه الحيوانات وتشير إلى أشياء محددة مثل الدعوة بالعودة إلى الحظيرة.

وهذه الدعوة إلى الحظيرة هي أصوات تختزنها هذه الحيوانات ربما في ذاكرتها وتستجيب لها ملبيّة النداء في كل مرة تصدح فيها ترددات تشكل هذه الأصوات، وأن مثل هذا الاختزان قد يصبح متوارثاً تحمله المورثات من جيل إلى آخر، كما يظهر ذلك في دعوة صبيّة نروجية لأبقارها بالتوجه نحوها عبر صوت وغناء جميل كان يستعمل منذ مئات السنين لدعوة الأبقار للعودة إلى الحظيرة. يمكن الإصغاء إليه عبر هذا الرابط.

بقي أن نقول إن هذا هو تفسير الناس لما يشاهدون ويسمعون، فقد يكون ما تسمعه الأبقار غير ما نسمعه نحن! علم ذلك عند الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق