بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 6 يوليو 2016

معيار جديد للذكاء

للإجابة على سؤال مدى ذكاء فلان من الناس أو قدرته على متابعة موضوع ما فغالباً ما نلجأ للاختبار لتقديم القول الفصل. ولكن السؤال هو: في أي موضوع يجب أن يكون الاختبار؟ لجأ الفرنسيون في مطلع القرن العشرين (1912) إلى اختبار يقوم على قدرة التعبير الشفهي والقدرة المنطقية (الرياضيات) لتصنيف بعض الطلاب ممن كانوا يعانون من مشاكل دراسية. اعتمد هذا النوع من الاختبار لاحقاً لتحديد معامل الذكاء (IQ) للأشخاص اعتماداً على التعبير الشفهي أو فهم النص وكذلك المنطق. وبقي هذا المعيار سائداً حتى وقت قريب. ولكن الدراسات الحديثة لعمل الدماغ والاكتشافات الثورية في هذا المجال دفعت إلى اعتماد على معيار أكثر شمولاً وأكثر إنصافاً.

المعيار الجديد متعدد الأوجه يتضمن ثمانية جوانب هي: التعبير الشفهي، المنطق، الإدراك البصري الفضائي (الذاكرة البصرية، التوجه في المكان، حاسة اللمس...)، الجسدي (الرياضة، العمل اليدوي...)، الموسيقي، الذاتي الداخلي (معرفة الذات)، والذاتي الخارجي (العلاقات مع الآخرين) وأخيراً الطبيعي البيئي. واضع هذا المعيار هو عالم النفس الأمريكي هوارد غاردنر Howard Gardner الذي يوضح الجانب الخاص بالطبيعة والبيئة بالقول إن هناك من يبدي اهتماماً بالطبيعة وهناك من لا يهتم بها على الإطلاق، ومرد ذلك إلى إحدى مكونات الدماغ وإلى قدرة الإنسان فطرياً على تمييز ما هو من الطبيعة وما هو من صنع الإنسان.

وعما إذا كان "الذكاء" وراثياً أو لا، يقول غاردنر إن بعض الجوانب المذكورة تؤثر الوراثة فيها إلى حد كبير مثل الموسيقى، وبعضها الآخر يكون التأثير الوراثي أقل مثل العلاقات مع الآخرين، ولكن لا جواب قاطع في هذا الخصوص حتى الآن. ومن ثم فنحن مختلفون وراثياً ومختلفون في تجربتنا الحياتية، وأن حياة الطفولة هي المؤثر الأكبر في المحصلة العامة للذكاء.
هوارد غاردنر قائلاً: ليست المسألة في كم أنت ذكي وإنما في كيف أنت ذكي

ومن المعروف ان المصابين بمتلازمة التوحد أو الانطوائيين تكون ملكة التعبير والكلام لديهم ضعيفة وكذلك علاقاتهم الاجتماعية. ولكن لا شيء يمنع من أن يكونوا موسيقيين ممتازين أو متفوقين في الرياضيات مثلاً.

بقي أن نقول إن دولاً كثيرة أخذت بهذه النظرة إلى الذكاء وجعلت التعليم بما يتوافق وجوانب الذكاء هذه بحيث يجد كل طالب ما يحقق له توافقاً مع ملامح ذكائه العام دون أن يكون اعتماد التعليم أساساً على اللغة وأخواتها والمنطق وأخواته، وهو ما تنفذه الآن الدول الاسكندنافية التي تحقق تفوقاً في مجال التعليم مقارنة بباقي دول العالم، حتى المتقدم منها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق