بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 18 يوليو 2016

ستراسبورغ ... وغرام غوته الأول



تقع ستراسبورغ في شمال شرقي فرنسا، عند الحدود الفاصلة بين ألمانيا وفرنسا، وهي عاصمة منطقة الألزاس الثقافية والرسمية. تسمى غالباً بعاصمة أوروبا أو "العاصمة البرلمانية لأوروبا". إذ تضم هذه المدينة منذ عام 1949 "المجلس الأوروبي" الذي تستند إليه "المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان". كما تضم هذه المدينة البرلمان الأوروبي الذي تتمثل فيه كل دول الاتحاد الأوروبي، وفيها أيضاً مقر محطة التلفزيون الألمانية الفرنسية "أر تي arte" الثقافية بطابعها والتي تقدم برامج بالفرنسية والألمانية في الوقت ذاته. وهي مدينة تجتمع فيها الثقافتان الفرنسية والألمانية إضافة إلى ثقافتها الخاصة بها، ويعيش فيها أناس من مختلف أصقاع الأرض.

ارتفاع هذه المدينة عن سطح البحر لا يتعدى 145 متراً في منطقة هي بالأحرى سهلية. قبة كاتدرائيتها الشهيرة هي أعلى ما يمكن أن يشاهد في المنطقة. يمر في هذه المدينة نهر الإل وهو أحد أهم فروع نهر الراين، تغذيه الأمطار بالدرجة الأولى. معدل هطول الأمطار سنوياً في هذه المدينة نحو 650 ميليمتراً. لهذه المدينة طابع بناء خاصة بمنطقتها. إذ تبنى البيوت من الخشب والطوب متداخلين مع بعضهما، بعدد محدود من الطوابق، ثلاثة أو أربعة، وبألوان ترابية في الأغلب تتراوح بين الكلسي الأبيض والبني الغامق مع نوافذ ملونة تمتلئ شرفاتها بنباتات مزهرة، تشيع في القلب دفئاً وبهجة. أقيمت في هذه المدينة كاتدرائية نوتردام الكبيرة بطراز بناء الكاتدرائيات الكاثوليكية، تعج بالزخرف والزجاج الملون هو أجمل ما فيها. بدأ بناؤها في القرن الحادي عشر الميلادي ولم ينته قبل القرن الخامس عشر ببرجها الذي بقي حتى عام 1874 البناء الأعلى في العالم.




لهذه المدينة تاريخ مديد يعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد. أصبحت معسكراً في أيام الرومان، ثم مدينة زراعية في القرون الوسطى. تركزت فيها مع مرور الزمن قوة اقتصادية مالية هامة وكذلك فكرية، عاش فيها مخترع الطباعة المتحركة غوتنبرغ. إلا أن اختراعه ينسب إلى مدينته مايانس، ولكن ستراسبورغ كانت من أهم مدن الطباعة في أوروبا. لهذه المدينة دور كبير في نشر الأفكار البروتستانتية الإصلاحية بدءاً من مطلع القرن السادس عشر. أصبحت المدينة محمية فرنسية منذ عام 1681 مع لويس الرابع عشر. خضعت هذه المدينة ومنطقة الألزاس لألمانيا بين عام 1871 وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

في هذه المدينة جامعة كبيرة تعود أصولها إلى النصف الأول من القرن السادس عشر. وهي حالياً من أكبر الجامعات الأوروبية، تضم معظم التخصصات وتشتمل على نحو 40 فريق بحث علمي. يزيد عدد طلابها عن 43 ألف طالب، وهي بذلك المدينة الطلابية الثانية في فرنسا بعد باريس. نسبة الأجانب بين الطلاب تزيد عن 20%. حصل 18 من قدماء طلابها أو أساتذتها على جوائز نوبل من أصل 62 فرنسي حائز على هذه الجائزة، كما حصل أحد مدرسيها على جائزة فيلدز في الرياضيات. وفي هذه المدينة مقر المدرسة الوطنية للإدارة ENA الشهيرة في فرنسا التي تؤهل طبقة الإداريين الأعلى في بلدها، وفي بلدان أخرى.

فريدريك
ومن بين أشهر طلابها الشاعر الألماني غوته الذي قدمها في عام 1771 لدراسة القانون، وكان أول غرام كبير له في هذه المدينة مع فريدريك بريون ابنة رجل دين. عرفت هذه القصة بأنها أكبر قصة غرام في تاريخ الأدب" ذلك أن غوته كان يذهب لرؤية فريديريك مراراً في الدير الذي كان أبوها قد عيّن فيه على مسافة 30 كم من ستراسبورغ، كتب لها قصيدة غنيت على شكل أوبريت باسم "فريدريك".

بقي أن نقول إن هذا الحب لم ينته النهاية السعيدة المتوقعة وإن بقيت اللقاءات بين الاثنين تحدث بين الفينة والأخرى حتى عام 1782، ولكن آلام فرتر كانت أقوى من أن تجعل غوته يرتبط بالزواج. أما هي فقد أمضت حياتها وحيدة على ذكرى شاعرها الذي أحب مراراً حباً عذرياً على عادة الشعراء!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق