بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 5 ديسمبر 2016

عن التعليم في فنلندا


فيما يلي وصف لأستاذ جامعي أمريكي زائر لإحدى الجامعات الفنلندية النائية، لنظام التعليم الفنلندي الذي عايشه عبر دراسة ابنته وابنه في المدارس الفنلندية. وهو إذ يتحدث عن ذلك فإنما لمخاطبة أصحاب القرار في بلاده وليقول لهم إن هناك نظاماً تعليمياً على هذه الأرض يمكننا التعلم منه والحذو حذوه. خاصة وأن هذا النظام الخالي من الضغط النفسي على الطلاب قد حقق نتائج ممتازة في نظام قياس التعلم العالمي.

وهو يقول: لا يتلقى الأطفال في فنلندا تعليماً أكاديمياً قبل السابعة من العمر، وهم حتى هذا العمر يتعلمون أشياء عبر الرعاية واللعب والأغاني والحوار. يأتي معظم الطلاب إلى المدرسة سيراً على الأقدام أو بواسطة دراجاتهم، حتى الصغار منهم. عدد ساعات الدراسة قليل والوظائف البيتية خفيفة. يعقب كل ساعة دراسية 15 دقيقة استراحة. ففترات استنشاق الهواء الحر والنشاط الفيزيائي المنتظمة تعتبر مولدات هامة للتعليم. وبحسب أحد الأقوال الفنلندية: لا يوجد طقس سيء، وإنما هناك ملابس غير مناسبة". وفي مرة سألت ابني عما فعلوه في حصة الرياضة فقال: "لقد أرسلونا إلى الغابة وزودونا بخريطة وفرجار وكان علينا أن نجد طريقنا إلى العودة".

لا يضيّع الفنلنديون وقتهم وأموالهم في اختبارات قياسية معممة، وبدلاً من ذلك فهم يجرون تقيماً يومياً عبر الرصد والملاحظة المباشرين، وعبر أسئلة سريعة يقوم بها معلمون مدربون على ذلك. وللطلاب الحق في الضحك والعيش حياة طبيعية في الصف. إذ تطبق المدارس الفنلندية مقولة "دع الطفل يكون طفلاً" و "إن عمل الأطفال هو اللعب، و "الأطفال يتعلمون عبر اللعب". جو الصف الفنلندي هو جو مشاعر حارة وأمان واحترام ودعم عال. لا توجد تعاليم صارمة عن كيفية السير والجلوس والدخول إلى الصف. وبحسب طالبة صينية تدرس في فنلندا ففي "المدارس الصينية تشعر بأنك في ثكنة عسكرية. هنا تشعر بأنك فرد في عائلة رائعة فعلاً"، وكل ما تحاول فعله هذه الصينية هو تمديد بقائها في فنلندا.

يتابع الأستاذ الجامعي قائلاً بأن المعلمين في فنلندا هم أكثر المهنيين ممن يحوزون على الإعجاب والثقة بعد الأطباء، لأنهم حاصلون على شهادة عليا (ماجستير) ومتخصصون في ممارسة البحث والتعليم في الصف. أي أنهم مربون. وكما قال أحد أساتذة تربية الأولاد بأن "مهمتنا كبالغين هي حماية أولادنا من السياسيين... وأن مسؤوليتنا هي أخلاقية لإعلام أصحاب الأعمال بالبقاء خارج جدران المدرسة"، وهو يريد أن يقول بذلك إن المدرسة للمدرسة أولاً وقبل كل شيء. ولكل مواطن فنلندي أن يزور أي مدرسة في الوقت الذي يريد، ولكن رسالة المدرسة واضحة: المدرسون هم السلطة العليا في التربية، وليس البيروقراطيون ولا باعة التكنولوجيا، في إشارة إلى ضرورة إبقاء أصحاب المصالح بعيدين عن المدرسة.

في العام الماضي، بينما كنت في مكتبي في الجامعة سمعت جلبة في الخارج، وعندما خرجت للاستعلام رأيت صبية متلحفين في ثيابهم الشتوية السميكة يتحركون بسرعة، اعتقدت أن ابني بينهم، ولكن لم يكن بإمكانه أن يراني، فقد كان ضجيجهم وضحكهم وغناءهم يصم الآذان... اقتربت مني المعلمة قائلة: هل تسمع ... إنه صوت السعادة!

بقي أن نقول إن هناك الكثير الكثير مما يجب فعله للارتقاء بالأنظمة التعليمية في الكثير من بلدان العالم، إذ على المدرسة أن تكون بالدرجة الأولى مكاناً محبباً لجميع الأولاد، وأن يعيشوا فيها كأسرة قبل كل شيء، يتعلمون عبرها ما سيحتاجون في الحياة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق