بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 18 ديسمبر 2016

الإمبريالية... تسقط، تسقط!



كلمة لطالما رددناها دون أن نعرف تماماً ما الذي تخفيه، وإن كنا نعتقد دائماً أنها تخفي سوءاً مدبراً بالشعوب الفقيرة. وهذه الكلمة هي كلمة جديدة نسبياً في قواميس اللغات استخدمها الصحفي والمفكر البريطاني جون هوبسون عام 1902 في تحليله الاقتصادي للإمبريالية البريطانية. وهي بالنسبة له عبارة عن استراتيجية أو عقيدة سياسية للسيطرة، تهدف إلى تكوين إمبراطورية (ُEmpire ومنه اشتقت كلمة إمبريالية) أو هيمنة. 

والجديد بالنسبة للإمبريالية بحسب هوبسون هو عدم ارتباطها منذ أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بفكرة إمبراطورية تشمل العالم المعروف، كما كان هو الحال بالنسبة للإمبراطورية الرومانية. وبسبب تنامي الانتماء الوطني في نهاية القرن التاسع عشر، فإن الإمبريالية قادت إلى صراع بين الإمبراطوريات المتحاربة مثل الإمبراطورية الألمانية والبريطانية والروسية. وفي أيامنا هذه فإن هذه الكلمة تعني الهيمنة من قبلة دولة أو دول على دولة أو مجموعة من الدول.

وكتاب لينين الشهير الذي نشره عام 1916 بعنوان "الإمبريالية هي المرحلة الأعلى للرأسمالية"، هو الذي جعل من هذه الكلمة كلمة شعبية، وعنوان الكتاب يفيد بأن نهاية الرأسمالية هي الإمبريالية، بمعنى السيطرة الاقتصادية قبل السياسية. وبحسب لينين فإن الحرب العالمية الأولى هي نتيجة الصراع بين الرأسماليين على حيازة المستعمرات، كما أن رأس المال الكبير ستسيطر عليه البنوك والمؤسسات المالية خلال عملية التطور هذه من الرأسمالية إلى الإمبريالية. ولكن فكرة لينين هذه نالت من الانتقاد الكثير، فبعض المفكرين أمثال شومبتر لا يوافقون على أن الإمبريالية هي اقتصادية قبل كل شيء، وإنما يجب رؤيتها على أنها ذات طبيعة اجتماعية. وهي بالنسبة للفيلسوفة آرندت ترتبط بفكرة التوسع (وليس الاحتلال) بحد ذاته. وبحسبها فإن الإمبريالية ظهرت عندما أصبحت الدولة-الأمة ضيقة بما لا يسمح بتطوير الاقتصاد الرأسمالي، وبالنسبة لها فإن ما يتمخض عن الإمبريالية هو الشمولية بانفتاحها على "سياسة عالمية" من جهة وبرفضها للدول-الأمة من ناحية أخرى في القرن العشرين عبر الانتهاكات الاستعمارية أو الصلاحيات الخاصة في المستعمرات. كما أن الإمبريالية بالنسبة لها هي التي سمحت بظهور المفاهيم العنصرية التي استثمرتها النازية.
ربط القاهرة برأس الرجاء الصالح

أما بالنسبة لأستاذ السياسية الجغرافية الفرنسي توال فإن "كلمة إمبريالية تستخدم على أنها تعني بالدرجة الأولى دينامية للسيطرة على مناطق كبيرة يٌضاف إليها سيطرة سياسية مباشرة إلى هذا الحد أو ذاك؛ والسيطرة على المناطق يمكن أن تكون بالإلحاق الكامل أو بالوصاية غير المباشرة تماماً". ويضرب أمثلة على السيطرة الكاملة على المناطق وإلحاقها مثالي أستراليا وجنوب أفريقيا اللتان خضعتا للهيمنة البريطانية.

بقي أن نقول إن مشاريع كبرى في القرن التاسع عشر كان وراءها تطلعات إمبريالية، بعضها تحقق مثل قناة السويس، وبعضها الآخر لم يتحقق مثل المشروع البريطاني الذي كان يهدف إلى ربط القاهرة برأس الرجاء الصالح بسكة حديدية مروراً بكل المستعمرات البريطانية الإفريقية. وهذا المشروع لم يتحقق بسبب تضارب المصالح بين الدول الاستعمارية التي كانت تستعمر مناطق في أفريقيا مثل فرنسا وألمانيا وبلجيكيا مع مصالح بريطانيا التي كان يلزمها لاكتمال المشروع ربط السودان بأوغندا فقط!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق