بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

مدينة السيّدات



هذه المدينة هي من خيال الفكر الإنساني لمؤلفتها كريستين دو بيزان، نشرت ذلك في كتاب في باريس عام 1405، تصف فيه الكاتبة كيف أن نبل النساء لا يأتي من أصولهن ولكن من عقولهن. يصف الكتاب شخصيات نسائية من الماضي وطريقتهن في معالجة الأمور والتصرف في الحياة بنبل بما قدمنه إلى مجتمعاتهن، أمثال سميراميس والأمازونيات وميناليب وبيرينيس وزنوبيا وأرتميس. كما يتضمن هذا الكتاب حواراً تعليمياً بين ثلاث نساء وهميّات يمثلن ربة العقل وربة الاستقامة وربة العدالة. تطلب ربة العدل من الكاتبة بناء مدينة مجازية حيث يمكن للنساء أن يعشن.

ولبناء هذه المدينة، فقد قامت ربة العقل بوضع أساساتها باستخدام المعرفة التي تمثل الملاط القوي الذي له أن يقاوم عاتيات الدهر وتقلباته، وأقامت أسوراً عالية بأساسات عميقة، واستخدمت في بناء المدينة الحجارة الصلدة. أما الأبنية، فقد كان ذلك من مهمة ربة الاستقامة، التي أنشأت المباني بتقابل مع الفضائل. ونرى هذه الربة ممسكة بمسطرة تقيس بها الصحيح وغير الصحيح، والطيب والسيء، وهذه المسطرة تكشف عن الطرقات الصحيحة وتستخدم لضرب السيئين. 

رسم تخيلي لمدينة السيدات
ولإنهاء المدينة وشغلها بالسكان، فكان ذلك من نصيب ربة العدالة التي حملت كأساً تسقي به كل شيء بحسب ما يستحق. وتقوم هذه بانتقاء النساء ممن هن أهل للسكن في هذه المدينة لتشكل بذلك مجتمعاً فاضلاً. بعد ذلك تفتح المدينة أبوابها للملكة، وهي مريم العذراء، ترافقها القديسات والشهيدات، وتستلم مفاتيح المدينة.

كريستين دو بيزان تكتب في غرفتها
وبعد كل هذا تتساءل الكاتبة عن ضرورة أن تتلقى النساء القدر نفسه من التعليم كما الرجال وتتساءل عن سبب رفض الرجال لذلك. كما تتساءل عن المساواة بين الرجل والمرأة وقدرة النساء على الحكم والقيادة. يعتبر هذا الكتاب أحد الكتب في السياسة التي بدأت التساؤلات تكثر فيها وعنها منذ القرن الرابع عشر لينتهي الأمر مع كتاب الأمير لمكيافيلي في مطلع القرن السادس عشر. وهي، على عكس هذا الأخير، تريد إقامة سلطة المدينة على العقل والاستقامة والعدل. وهذا الكتاب هو، على الغالب، أول نص يدافع عن حقوق المرأة في التاريخ.

بقي أن نقول إن كريستين دو بيزان هي أول امرأة عاشت من كتاباتها، ولم تتلق مساعدات من أحد، وهي الإيطالية من أسرة تحب العلم. تزوجت من فرنسي يعمل لدى الملك ولها من العمر خمسة عشر عاماً، وهامت في حبه ولكن وباء أخذه منها ولم يمض على زواجهما سوى سبع سنوات، تاركاً لها ثلاثة أولاد وثروة متواضعة. كان عليها أن تقاوم عقلية زمانها التي كانت تنظر بعين الريبة للأرملة التي تعيش لوحدها دون أن تذهب للعيش في الدير، فاتخذت من العلم والأدب وسيلة لذلك! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق