بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 3 ديسمبر 2016

الكذب ... لدى الإنسان والحيوان



أمثال كثيرة من مختلف الثقافات البشرية تشير إلى أن الإنسان كثير الكذب، وهناك مثل فرنسي يقول بأن الإنسان يكذب بقدر ما يتنفس، أي إن معظم كلامه كذب. فنحن نبحث عن كلمات مناسبة نستخدمها في مخاطبة الآخرين، نحاول فيها تجنب أشياء كثيرة، كما نحاول أن نقدم الأمور بصورة مقبولة. طبعاً هناك من سيقول بأن بين كذب وكذب فروقاً كبيرة، وأن هناك ما نسميه بالكذب الأبيض، وخلاف ذلك. ولكن لو حاولنا مراقبة ما نقوله في اليوم الواحد وقياس مقدار الصدق فيه لكانت النتيجة مخيبة للآمال. وهناك من يقول بأن الكذب يترافق مع طبيعة الإنسان في الاجتماع (الوجود في مجتمع)، وأن هذا الاجتماع يقتضي الكثير من تدوير الزوايا وإلا لكانت الحياة الاجتماعية مستحيلة تماماً. 

ولكن الكذب لا يكون بواسطة الكلام فقط. إذا يمكن تعريف الكذب بأنه تقديم أو إيصال اعتقادات خاطئة، علماً بأن من يقدمها يعرف بأنها خاطئة، إلى المخاطب المباشر أو الموجود في الجوار، وهي مخالفة للحقيقة التي يعرفها حق المعرفة، وذلك باستخدام أية وسيلة من وسائل التواصل سواء كان ذلك عبر الكلام أو الحركات أو أي شيء آخر. فالطفل الرضيع الذي يبالغ في البكاء لشد انتباه أمه واستدرار عطفها يكذب مستعملاً الصراخ، أو الصغير الذي يتصنّع الألم لغرض ما دون أن يكون معانياً لأي شيء، فهو كاذب دون أن يقول كلمة واحدة.


وعلى هذا، فيمكن أن نجد الكذب لدى كائنات عديدة. وهو يزداد بحسب تعقيد العلاقات الاجتماعية في مجتمعاتها. فمن المعروف مثلاً أن الشمبانزي يكذب كثيراً. فعند شعوره بخطر ما، أو شعوره بأن هناك من يقف في طريقه يصدر أصواتاً حين يعرف أن له أقراناً بجواره، ولا يفعل ذلك عندما يكون وحيداً، وذلك طلباً لمساعدتهم وإخافة من يضايقه. كما أن الشمبانزي عندما يكون بجوار قرين له قوي ويُعرض عليه قطعة خيار وقطعة موز سيختار الخيار تاركاً الموز لمن هو أقوى منه. ولكن عندما يكون وحيداً فسيأخذ الموز الذي يفضله بالقطع على الخيار. كما أنه يتصرف وكأنه لم ير شيئاً عند مروره بجانب شجيرة مثمرة بأنواع من التوت وهو بصحة أقرانه ليعود إليها لاحقاً بمفرده.

طائر الزقزاق يتصنع أنه جريح
طبعاً لا ينفرد الإنسان والشمبانزي بالكذب، فهناك أنواع من القردة، تمارس الكذب لإنقاذ حياتها. فأحد أنواع القردة يتوقف عندما يكون ملاحقاً ويشعر بأنه لن يستطيع الإفلات، ويتظاهر بأن هناك خطراً كبيراً في الجوار مما يجعل ملاحقيه يتوقفون للبحث عن مصدر الخطر ويتمكن بذلك من الإفلات. كما أن الطائر الزقزاق يبدأ بالصراخ كمن يكون عالقاً بين أغصان الشجر ليثير انتباه الجوارح إليه حتى لا يهاجموا صغاره، وعند اقترابهم منه يهرب وتبدأ عملية ملاحقة يُترك خلالها الصغار وشأنهم.

بقي أن نقول إن هناك من يقول إن هذا النوع من الكذب هو ليس نتيجة عملية عقلية، كما الحال لدى الإنسان والشمبانزي، وإنما هذا نوع من الاحتيال المؤتمت ... لكن ما الفارق في النهاية عملياً بين الاحتيال والكذب!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق