بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 ديسمبر 2016

الغجر... مجموعات متفرقة بلا نصير



غجري هنغاري منهته الحدادة البسيطة/القرن التاسع عشر
لا يزال الغجر يجولون العالم على الطريقة التي بدأوا حياتهم بها: التنقل الدائم والعيش بما تجود به السماء. لهم المظهر الخارجي المتشابه في العالم أجمع، مع اختلاف في التفاصيل وفقاً للبيئة التي يعيشون فيها. ففي الدول الفقيرة نراهم يعيشون داخل خيمهم القماشية وما تيسر من كائنات لحمل الأثقال أثناء التنقل، وفي الدول الغنية نراهم في عربات تجرها سيارات، دون أن يمنع ذلك من عيشهم في خيم متواضعة أيضاً أو في أماكن مهجورة عند أطراف المدن. وهم يعيشون في الأغلب على مهن تتغير بحسب المجتمعات التي يعيشون فيها، ولكنها في أغلبها حرف يدوية بسيطة كشحذ النصال أو الغناء والرقص، هذا طبعاً إضافة إلى الشحاذة. 

تُجمع الدراسات الحالية على أنهم من أصل واحد من شمال الهند. وهذا التأكيد جاء إثر دراسة للمورثات وللغتهم. فالمورثات تؤكد أنهم خرجوا من شمال الهند من فترة تعود إلى قرابة 40 جيلاً. أما لغتهم، مع اختلاف تشعباتها، فتعود إلى جذور لغات مناطق البنجاب والسند. ومن الناحية الاجتماعية فقد كان المجتمع البراهمي يعتبر أن أصحاب مهن الجزارة والحطابة والصباغة وحفارة القبور والحدادة وجمع القمامة والغناء والرقص، هم من وجهة نظر دينية غير أنقياء، وليس لهم الحق في الإقامة الدائمة، مما جعلهم يتنقلون على نحو دائم. وهو تنقل دفع بهم للخروج من مناطق عيشهم الأولى والذهاب في مختلف أرجاء المعمورة. وهم اليوم يعيشون في كل مكان، من الشرق الأوسط حتى الأمريكيتين مروراً بأوروبا. 

بدأوا هجرتهم نحو أفغانستان وإيران وأرمينيا والقوقاز وجنوب روسيا وتركيا. كان ذلك قرابة العام 1000. استفاد منهم المغول في فتوحاتهم في القرن الثالث عشر لإرشادهم إلى المعابر والطرق مقابل جزء من الغنائم والحماية. ومع تيمورلنك وصلوا إلى أوروبا والأناضول ومصر. وصلوا إلى إسبانيا في الربع الأخير من القرن الخامس عشر وإلى السويد في القرن السادس عشر. ومن إسبانيا ذهبوا إلى أمريكا مع بداية فتحها حيث عملوا كخدم على ظهور المراكب، التي هربوا منها حين بلوغهم اليابسة هناك.

مانيتاس دو بلاتا عازف الغيتار الغجري الفرنسي الإسباني
يزيد عددهم في أوروبا وتركيا عن 12 مليون، منهم مليون شخص في إسبانيا لوحدها. ويشكلون في أوروبا أكبر أقلية. عاشوا الكثير من المتاعب، ولا يزالون، منذ مطلع القرن العشرين مع ترسيم الحدود بين الدول، وعدم امتلاكهم لأوراق ثبوتية عن منشئهم ومقر إقامتهم والدولة التي يتبعون إليها وما شابه. واليوم لا يقترن اسمهم في أوروبا (بالرغم من تعدد أسمائهم في مختلف أرجاء العالم) بسمعة حسنة، وإن كان عدد كبير منهم امتزج بالحياة الحضرية وتوقف عن حياة التنقل والترحال. برزت من بينهم شخصيات معروفة خاصة في فن الغناء والموسيقا، من أشهرها عازف الغيتار مانيتاس دو بلاتا الذي بيعت أكثر من 93 مليون من ألبوماته.

بقي أن نقول إن غجر ألمانيا تعرضوا للقتل والحرق في أيام النازية، وكان عدد من مات في المعسكرات الألمانية بتهمة عدم الانتماء إلى العرق الآري، بين 50 و 80 ألف غجري. ولكن بما أنهم من مستضعفي الأرض وغير منظمين في شبكة تدافع عن نفسها وعنهم، فقد ذهب قتلاهم في خبايا النسيان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق