بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 يوليو 2017

الثقة بالآخرين...أسباب كيميائية

تقوم حياة الناس الاجتماعية في مجملها على قدر كبير من الثقة، الثقة بالآخرين التي لولاها لما تجاور الناس ولما تزاوجوا ولما باعوا واشتروا الخ. ولكن هذه الثقة ليست أمراً فطرياً مع كل الآخرين وفي كل مراحل الحياة، وهي في مجملها تبنى بالتجربة، التجربة التي تبدأ حذرة ومتخوفة لتبدأ بعد ذلك مسألة تعزيز الثقة أو نفيها أو الإبقاء على علاقات حذرة. ومثل هذه الثقة هي الأساس في الكثير من التفاعلات الاجتماعية. لذا اهتم بها الدارسون في مجالات مختلفة.

ففي مجال السلوك الاقتصادي، قام أحد الدارسين بإجراء تجربة تقوم على أساس أن صاحب عمل ما لديه 10 دولارات وأن لمستثمر ما 10 دولارات أيضاً، وإذا أعطى المستثمر قدراً من ماله إلى صاحب العمل، فإن هذا المبلغ سيتضاعف ثلاث مرات بعد فترة، وبنتيجة ذلك قد يعيد صاحب العمل قدراً آخر من المال إلى المستثمر. فمثلاً إذا أعطى المستثمر مبلغ خمسة دولارات لصاحب العمل فسيكون لدى هذا الأخير 25 دولاراً بعد فترة قصيرة، وإذا قام صاحب العمل بإعادة ثمانية دولارات للمستثمر فسيبقى لدى الأول 17 دولاراً وسيكون لدى الثاني 13 دولاراً، أي ستكون النتيجة لصالح الاثنين. طبعاً يجب ألا ننسى أن صاحب العمل قد لا يعيد بالضرورة للمستثمر حتى مبلغه الذي استثمره وأن المستثمر قد لا يستثمر.

أجريت هذه التجربة على 32 شخصاً قاموا بأدوار المستثمر، اختار 30 منهم الاستثمار لدى صاحب عمل وبواقع 5.16 دولار وسطياً لكل منهم، التي تضاعفت ثلاث مرات لدى أصحاب العمل. وأعاد أصحاب العمل وسطياً مبلغ 4.66 دولار للمستثمرين، أي أقل مما استثمر لديهم، ولكن مع ذلك أكثر من المتوقع منطقياً وهو ألا يعيد أصحاب العمل أي شيء، إذ لا شيء يلزمهم بذلك. فالميل الطبيعي هو الاحتفاظ  بالمكاسب وعدم توزيعها بقدر معقول من العدل!

كما درست مسألة الثقة من وجهة نظر بيولوجية، وفيما يبدو فإن المسؤول عن ذلك هو هرمون اسمه "أوكيتوسين ocytocin"، وهو هرمون مسؤول أيضاً عن التكاثر والولادة لدى بعض الثدييات ومنها الإنسان. لذا أعيدت التجربة السابقة على مجموعتين، الأولى أعطيت جرعة من هذا الهرمون والثانية لم تحقن به. وكانت النتيجة هي أن قرابة نصف المجموعة الأولى استثمرت بمبلغ 10 دولارات، في حين أن نسبة من فعل ذلك من المجموعة الثانية هي 21% فقط. قد يظن البعض أن لهذا الهرمون دوراً مماثلاً للكحول أو المخدرات، ولكن سلوك المجموعة الأولى كان مماثلاً لسلوك المجموعة الثانية عندما قيل للمجموعتين إن صاحب العمل هو حاسوب وليس إنسان! إذن، هذا الهرمون يزيد من الثقة بين الناس.

هذا الهرمون هو هرمون أنثوي، والهرمون المقابل له لدى الرجال يؤدي إلى الحذر بالأحرى... هل يمكن أن نستنتج من هذا ميل النساء إلى الثقة بالآخرين بأكثر من ميل الرجال!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق