بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 يوليو 2017

لاقيني ولا تطعميني

من المعروف أن تشكيل العلاقات الاجتماعية أمر معقد للغاية تتدخل فيه عوامل مختلفة. كثيرة هي العلاقات العابرة التي لا تترك أثراً في أطرافها، ولكن بعضها قد يكون مرشحاً لأن يتحول إلى علاقات أكثر من عابرة وبعضها إلى علاقات متينة. وفي هذه العلاقات المتينة يحدث ارتباط يقوم في جزء كبير على المشاعر والعواطف وما يسمى بالاستلطاف. وهذه في مجملها عامل رئيسي في بناء العلاقات الاجتماعية.

ذكر عالم النفس الشهير فرويد أن علاقة التغذية تدفع إلى الحب، بمعنى أن العلاقات القوية يمكن أن تبدأ من التغذية. مثال ذلك علاقة الأطفال بأهليهم تقوم في جلها على تأمين الغذاء حيث يؤمن الكبار الغذاء للصغار. ويمكن لذلك أن يكون بين الكبار، فمن يؤمن الطعام لغيره سيرتبط هذا الغير معه بعلاقة قوية. ولكن هناك من شكك في ذلك كثيراً من بينهم المحلل النفسي الأمريكي هاري هارلو Harlow الذي أجرى تجربة في خمسينيات القرن الماضي أثارت الكثير من الجدل وعلى أكثر من صعيد.

استخدم هارلو في تجربته قرداً صغيراً بعد أن جعله يجوع بعض الشيء، ثم تركه في حيز صغير إزاء كائنين ميكانيكيين يشابه كل منهما قرداً كبيراً، يحمل الأول زجاجة حليب يمكن للقرد الصغير أن يأتي إليها ليرضع من حليبها، والثاني يمثل شيئاً دافئاً من قماش وثير يوحي بالطمأنينة. ولكن القرد الصغير بدلاً من أن يتجه نحو زجاجة الحليب اتجه إلى المكان الوثير الذي يوحي بالأمان بالرغم من جوعه، وبقي يلهث في هذا المكان فترة من الزمن ثم وضع اصبعه في فمه لتهدئة جوعه على عادة الأطفال، وبقي على هذه الحال إلى أن دخل الاطمئنان إلى قلبه ليتجه بعدها نحو زجاجة الحليب. أي أن ليس الطعام هو المهم وإنما الشعور بالاطمئنان أولاً.


هذه التجربة أعيدت مرات ومرات وبأشكال مختلفة وكانت النتيجة هي نفسها. وهي نتيجة يمكن فهمها، بعد تردد ربما، لاعتقادنا بأن الجوع قد يدفع بالدماغ إلى تلبية حاجة الطعام أولاً، ولكن التجربة تقول بأن الدماغ يدفع بالإنسان للبحث عن الاطمئنان والأمان أولاً... وذلك تصديقاً للمثل الشعبي الذي يقول "لاقيني ولا تطعميني... أي أن الاستقبال اللطيف وما يدخله في القلب من قبول هو قبل الطعام الذي سنرفضه حتى لو كنا جياعاً في جو مثير للنفور والقلق.

هناك تعليق واحد: