بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 23 يوليو 2017

الثقافة والمورثات

الثقافة هنا بالمعنى الواسع الذي يشمل اللغة والمعتقد والسلوك والتصرف الخاص إزاء أحداث الحياة اليومية وغير ذلك مما يميز شعب عن آخر، أي الثقافة بالمعى الواسع. والمورثات هي ما ينتقل من الأبوين إلى الأبناء من صفات وخصائص بيولوجية وفيزيولوجية، التي يأتي نصفها من الأم ونصفها الآخر من الأب. وهذه الصفات متضمنة في لولبي الـ د. نإ. وهو الاختصار لجملة ترجمتها للعربية هي: الحمض النووي الريبي منقوص الأوكسجين.

ومن المعروف أن العائلات تتشابه وراثياً وأن الجماعات البشرية التي تعيش في منطقة جغرافية ما يتقارب أفرادها في مورثاتهم بحكم الزواج وعلى مدى السنين مما يجعل الجميع أقارب لبعضهم البعض بطريقة من الطرق، وهذا ما يجعل لهؤلاء مميزهم الوراثي الخاص بهم ويجعل بينهم تقارباً في الصفات الخارجية العامة. فأهل شمال أوروبا مثلاً يشيع بينهم الشعر الأشقر، وبعض قبائل أفريقيا (البيغمي) يميلون إلى قصر القامة، وهكذا. السؤال الآن: هل يمكن للثقافة أن تؤثر في الوراثة؟

جرت أبحاث في منطقة آسيا الوسطى تضم أوزبكستان وقيرغزستان، وهما يمتدان على منطقة جغرافية كبيرة تتضمنان ثقافات مختلفة، من حيث اللغة على الأقل، نزحت جماعات من كل من هاتين الدولتين عبر التاريخ لتعيش في الدولة الأخرى. أي يوجد في قيرغزستان مجموعات من أصل أوزبكستاني وبالعكس. وتبين أن الناس المنتمين إلى الثقافة نفسها يتقاربون وراثياً حتى لو كانوا متباعدين جغرافياً وبأكثر من المتقاربين جغرافياً ولكن متباعدين ثقافياً. وهو أمر أكدته دراسة هولندية على المورثات التي يحملها البروتستانت والكاثوليك، الذين أخذوا بالانفصال عن بعضهم منذ نحو خمسة قرون، حيث تبين أن أهل كل طائفة هم أكثر تقارب وراثياً بالرغم من عيشهم في منطقة جغرافية واحدة.

وفي أفريقيا حيث كانت تعيش قبائل من المزارعين على مقربة من قبائل قصار القامة البيغمي الذين لم يمارسوا الزراعة وإنما اكتفوا بقطف الثمار. وقبائل المزارعين والبيغمي عاشت بقرب بعضها لأكثر من ثلاثة آلاف سنة وبقيت مختلفة وراثياً إلى أن بدأ الأمر بالتغير منذ نحو ألف عام عندما بدأ رجال قبائل المزارعين بالزواج من نساء البيغمي المشهورات بقدرتهن على الإنجاب، واليوم هناك تغير في المورثات لدى هؤلاء ولكنه من طرف واحد، فنساء المزارعين لم يتزوجن من رجال البيغمي، كما أن نساء البيغمي غالباً ما كن يعدن إلى قبائلهم بعد طلاق أو موت الزوج أو لعدم رغبتهن في البقاء لدى قبائل المزارعين بسبب المعاملة السيئة.

الأمثلة تتعد وتكثر وخاصة في عالم اليوم الذي يشهد هجرات ونزوحات بشرية كبيرة، ولكن التغير الوراثي يحدث بحسب طبيعة الجماعات المهاجرة. فباكستانيو إنكلترا مثلاً لم يختلطوا مع الآخرين كما يظهر ذلك من بعض الأمراض النادرة التي حملوها معهم وبقيت ضمنهم. وكذلك أتراك ألمانيا الذين لا يزالون في معظمهم يعيشون منغلقين على أنفسهم ولم يختلطوا لا مع الألمان ولا مع غيرهم. أما مهاجرو البرازيل فقد عرفوا انفتاحاً على بعضهم بحيث اختلطت مورثات الأوروبي مع مورثات العربي مع الأفريقي مع سكان البلد الأصليين لتعطي سلالة فريدة.


هل يتجه العالم اليوم لتشكيل سلالة وراثية متقاربة في كل أرجائه؟… هذا أمر سيحدث على الأغلب ولكن بعد مئات السنين إن لم يكن أكثر.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق