بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 6 يوليو 2017

تشخيص الأمراض النفسية... تجربة روزنهان

للطبيب العادي أن يشخّص حالة مريض على قدر كبير من الدقة بحسب المعلومات المقدمة إليه والأسئلة التي يطرحها على المريض والفحوص السريرية والمخبرية التي يطلبها الطبيب، وبإمكان هذا الطبيب كشف الخداع أو التحايل أو التمارض كما يقال. لكن طبيب الأمراض العقلية أو النفسية ليس له القدرة نفسها.

وفي هذا الخصوص قام المحلل النفسي الأمريكي ديفيد روزنهان عام 1973 باختيار 12 شخصاً أرسل كل منهم إلى واحدة من 12 مصحة عقلية اختارها بنفسه. صرّح هؤلاء "المرضى" للأطباء النفسيين المعاينين بأنهم كانوا يسمعون هلوسات لأصوات مجهولة تحدثهم وتقول لهم جمل مشوشة، وكانت تتكرر كلمات "فارغ" و"أجوف" في تعابير هؤلاء المرضى أمام أطبائهم. وغير هذا الادعاء "الكاذب"، فقد أجاب كل "مريض" من هؤلاء "المرضى" بصدق عن كل الأسئلة التي وجهت إليه.

كان تصرف هؤلاء "المرضى" عادياً خلال إقامتهم في المصحات وأعلنوا أنهم لم يعودوا يسمعون تلك الأصوات التي تحدثوا عنها أمام الأطباء. ولكن الأطباء شخصوا أن 11 من هؤلاء كانوا مصابين بالانفصام (شيزوفرينيا) أما الأخير فكان تشخيص أطبائه بأنه مصاب "باضطرابات هوسية إحباطية"، ولم يتم كشف تمارض أياً من هؤلاء "المرضى".

ولكي يتمكن هؤلاء "المرضى" من مغادرة المصحات كان عليهم القبول بأنهم مرضى بالانفصام وتلقي الأدوية المناسبة، وغادروا بالفعل المصحات بعد فترة وسطية قدرها 19 يوماً (أطولها كان 52 يوماً) على أساس أنهم في طور الشفاء من الانفصام، بالرغم من أنهم توقفوا خلال إقامتهم في المصحات عن التحدث عن أية عوارض وأن سلوكهم كان سلوكاً عادياً جداً!


نشر روزنهان دراسته في مجلة علمية قال في خلاصته بأنك إذا ادعيت الانفصام ليوم واحد فإنك مصاب بالانفصام على الدوام، ذلك أن كل تاريخهم الشخصي المدون في أضابيرهم كان يفسّر على خلفية أنهم مصابون بالانفصام. وبالطبع لم تلق هذه الخلاصة قبولاً من الأطباء النفسيين. فالبعض منهم قال بأن عدد المرضى (12) غير كاف لإطلاق أحكام. وقال البعض بأن مهمة الطبيب النفسي ليست في الكشف عن المريض الكاذب، وقال أحدهم بأن بإمكان أي شخص شرب دماء واستفراغها أمام طبيب الإسعاف والادعاء بإصابته بالقرحة ومن ثم التحايل على الطبيب. ولكن روزنهان أجاب على هذه الانتقادات بأنه امتحن 12 مصحة عقلية مختلفة وأن أي مستشفى عادي لن يمضي 52 يوماً للتعرف على ادعاء شخص ما لإصابته بالقرحة أو لا!... وفي كل الأحوال فإن هذه التجربة عمرها نحو 45 سنة تطور الطب النفسي خلالها تطوراً كبيراً، ولكن المهم في كل ذلك صعوبة التحقق من ادعاءات المرضى النفسيين،... وقاكم الله من كل مرض.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق