بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 يوليو 2017

مطاعم القلب… أو مطاعم المحبة

بعد الثلاثين السنة المجيدة التي عرفتها أوروبا بين نهاية الحرب العالمية الثانية وسبعينيات القرن الماضي، بما تضمنته من نمو عال وسريع ارتفع خلالها مستوى حياة الأوربيين بمرات وعاشوا رغداً جعلهم يطلقون على تلك السنوات سنوات الثلاثين المجيدة، خاصة بعد أن أخذت معدلات النمو بالتراجع وظهور متزايد للبطالة ترافق بظهور الفقر الذي عبرت عنه أعداد الناس التي لم تعد تجد ما تأكل أو تجد مأوى، ومن الصحيح أنها كانت نسبة محدودة ولكنها وصلت في فرنسا مثلاً إلى قرابة المليون شخص ممن طالتهم ضائقة العيش.

ظهرت في فرنسا في منتصف ثمانينات القرن الماضي فكرة استغلال الفائض الغذائي الذي كان يتم إتلافه بهدف الحفاظ على أسعار المواد الغذائية الأولى من حبوب وخضار، على أن يكون ذلك على شكل سلال غذائية أو وجبات ساخنة تقدم للمحتاجين. أطلق هذا الفكرة الممثل الفرنسي الساخر كولوش في إحدى البرامج الإذاعية متمنياً أن تقوم إحدى أو بعض الشركات أو المؤسسات بالتبرع بتقديم بين 2000 و 3000 وجبة ساخنة وأنه سيقوم من طرفه ومن معه بتنظيم الأمور الإدارية لتحقيق ذلك في باريس أولاً وفي غيرها من المدن لاحقاً.
شعار مطلعم القلب، مطاعم المحبة

كان ذلك في شهر أيلول عام 1985، سمع بذلك المقربون منه وأطلقوا اسم "مطاعم القلب" (بمعنى مطاعم المحبة) على هذا المشروع، وأصبح لذلك جمعية رسمية أُسست في تشرين الأول، وفي كانون الأول أقيمت خيم في باريس في العراء لتقديم وجبات ساخنة للمحتاجين، تبعها خلال خمسة عشر يوماً قرابة عشرين مطعماً مماثلاً في عشرين مدينة فرنسية قدمت 60 ألف وجبة حتى منتصف آذار، أي في غضون ثلاثة أشهر.

كان طلاب مدارس الإدارة والاقتصاد من أهم المساهمين في تنظيم هذه المطاعم في بداياتها الأولى. بعد ذلك أصبحت هذه المطاعم مؤسسة لها إدارتها على المستوى الوطني ولها متبرعيها ومتطوعيها الذين يزيد عددهم عن 69 ألف متطوع في أرجاء فرنسا تلقوا تدريباً على استقبال المحتاجين ومساعدتهم. ولهذه المؤسسة (الجمعية) ضوابطها وقواعدها ومجالس إدارتها على المستويات الوطنية والمحلية. عدد هذه المطاعم اليوم قرابة 2100 مطعماً في عموم أرجاء فرنسا. هدفها محاربة الفقر وشعارها: نحن نعتمد عليكم.

تغير نشاط هذه المطاعم وتعدد. فهي اليوم تقدم سللاً غذائية أسبوعية متوازنة غذائياً مخصصة للمحتاجين المسجلين لديها. كما أن لديها برنامجاً خاصاً بالأطفال، غذائي وصحي. كما تقدم غير الغذاء المنظفات والمطهرات. وغير ذلك تساعد المسجلين لديها في بحثهم عن عمل ومساعدتهم على الاندماج بالمجتمع. كما أنها تقدم مساعدات للحصول على سكن مؤقت لمن هم في حالة انتظار حصولهم على سكن مستقر من مؤسسات أخرى. بعض المراكز تقدم الحلاقة المجانية أيضاً!

مجموع الوجبات التي قدمتها مطاعم المحبة هذه بلغ أكثر من ملياري وجبة حتى نهاية عام 2013. وصدر في عام 1988 قانون باسم كولوش، مؤسس هذه المطاعم، يشجع المؤسسات على التبرع لهذه المؤسسة ولمؤسسات مماثلة، بإعفائها من نسبة من الضرائب تتوافق ومقدار تبرع هذه المؤسسات.


حتى العالم الغني يعرف الفقر، وأول شيء يجب فعله هو إطعام الجائع إذ إن الجوع كافر كما يقول المثل، وفي هذا حماية للمجتمع ككل. ولكن يجب ألا يتوقف الأمر عند ذلك وإنما يجب أن يتابع بتعليم الصيد الذي سيضمن توفير الغذاء!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق