بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 12 نوفمبر 2017

تأكيد تراجع الذكاء الإنساني

يبدأ تكون العقل، أو الذكاء لاحقاً، مع الجنين في الرحم حيث تتكون عصبونات الدماغ ووسائل الترابط بين هذه العصبونات التي بمجملها تساعد الإنسان على التعليم من كل ما يحيط به والتفكير. إنها الفترة الأولى في التكوين التي ستكون عاملاً هاماً، وقد تكون الأهم، في قدرة البالغ على التفكير والتعقل.

يمكن القول إن الإنسان شهد تطوراً في إمكاناته الفكرية (العقلية) تشهد عليها مجمل الإنجازات عبر التاريخ. ولكن هل هذا التطور هو تطور مضطرد أم أن هناك احتمال بالسير في الاتجاه المعاكس، أي تراجع في قدرة الإنسان على التفكير السليم؟ هذا ما عبر عنه فيلم سينمائي بعنوان "حكم الغباء idiocracy" يظهر فيه تراجع معامل الذكاء (IQ) إلى حدود كبيرة يقف فيها الإنسان عاجزاً عن تعقل البدهيات. وهذا الفيلم، على ما يبدو من أنه ضرب من الوهم لكن الدراسات الإحصائية على مدى العقود القريبة الماضية تؤكد أن معامل الذكاء في تراجع مستمر. فلدى الجيش الاسكندنافي سجلات تدون فيها دائماً معامل الذكاء للشباب المدعويين إلى الخدمة العسكرية منذ عشرات السنين. قام الباحث الإناسي (الأنثروبولوجي) البريطاني إدوارد ديوتون E. Dutton بمراجعتها ومقارنتها. واستنتج أن معامل الذكاء كان إلى ارتفاع حتى ثمانينيات القرن الماضي، ومن يومها أخذ بالانخفاض سنة بعد سنة، وكان هذا الانخفاض بمقدار نقطتين عن كل عقد. وهذه الدراسة ونتائجها تؤكدها دراسات مماثلة في بعض الدول الأوروبية. وهناك دراسات أجريت على طلاب المدارس في أستونيا وفرنسا تدعم هذه الخلاصة بما لا يقبل الشك. كما أن هناك حقائق يمكن مشاهدتها يومياً. فقد ازداد عدد الصغار المصابين بعدم القدرة على التركيز والتعلم وكذلك الأطفال الانطوائئين. ووصلت نسبة ذلك إلى مقادير غير مسبوقة. فنسبة زيادة الأطفال الانطوائين (autism) زادت بمقدار 600% في كالفورنيا خلال عقدين من الزمن، وهو أمر تأكد أيضاً في الولايات الأخرى. إذ يقدّر حالياً وجود طفل انطوائي بين كل 68 طفلاً في الولايات المتحدة.  فما الأمر؟

يقول اختصاصيون يتابعون هذه القضية، إن جوهر المسألة يكمن في الغدة الدرقية، وأن هذا التراجع في معامل الذكاء مرده إلى سوء عمل الغدة الدرقية. وهذا أمر معروف منذ ستينيات القرن الماضي ويؤدي إلى اختلال جسدي وعقلي سميّcretinism   أي "الحمق". وسبب ذلك الأكبر هو نقص اليود، وهو نقص يكون لدى الأم الحامل ويؤثر على نمو دماغ الجنين. أي أن نقص الهرمونات الدرقية بسبب نقص اليود هو السبب الأهم في نمو الدماغ نمواً طبيعياً. أكدت ذلك دراسات أجريت في إفريقيا في ستينيات القرن الماضي ومجدداً في جزيرة صقليا الإيطالية. وهذه الأخيرة أكدت أن هذا النقص هو وراء عدم التركيز والانطواء.

ولكن اليود ليس السبب الوحيد في سوء عمل الغدة الدرقية بشكل طبيعي. إذا أن هناك مركبات مشابهة لليود يمكنها أن تصل إلى الجسم تخلّ بعمل الغدة الدرقية، خاصة مواد تحتوي على جزيئات الكلور أو البروم أو الفلور ونتعاطى معها بشكل مستمر. وقد أكدت ذلك دراسات مخبرية أجريت على الفئران. وهذه المواد موجودة في كل مكان تقريباً. وفي الولايات المتحدة انتشر استخدام مواد لتأخير الاشتعال لمنع الحرائق في المنازل وأماكن العمل، استخدمت حتى في الملابس والأثاث وحماية المنازل. وهذه المواد، غير أنها مسرطنة، فهي تحتوي أيضاً على مواد تعيق عمل الغدة الدرقية. وفي عام 2013 فقط منع استخدام هذه المواد بعد معركة طويلة مع الشركات التي كانت تعيش على ذلك، (وتبين لاحقاً أن دورها في إعاقة الحرائق مبالغ فيه للغاية كما أكدته خبيرة أمام الكونغرس الأمريكي!). وقد أكدت دراسات عديدة تأثير هذه المواد في النمو الدماغي الصحيح.

مواد أخرى تتضمن جزيئات الفلور والبروم والكلور هي مواد المبيدات المستخدمة في الزراعة. وفي ولاية كاليفورنيا، المشهورة بزراعة الفواكه والخضروات التي تستخدم المبيدات بكثرة، أجريت دراسة على أطفال النساء اللاتي يعملن في مناطق قريبة من الحقول في هذه الولاية وعلى مدى سبعة عشر عاماً تمت خلالها متابعة آلاف الأمهات والأولاد. كانت النتائج بما لا يمكن نكرانه. تراجع في القدرة الذهنية لدى الأولاد وهم في السنة الثانية، وكذلك تراجع في معامل الذكاء لديهم وهم في سن السابعة، وزيادة في عدم القدرة على التركيز وزيادة أيضاً في الانطواء وضعف واضح في القدرة على التعلم. ولكن إذا كانت هذه هي حال الأطفال الذين يولدون لأمهات عشن على مقربة من حقول زراعية استخدمت المبيدات، فماذا بخصوص أطفال المدينة؟ الأمر في الواقع هو نفسه، إذ تتعرض الأمهات الحوامل غالباً للعديد من المواد المستخدمة في التنظيف أو المضادة للحشرات المنزلية أو في مزيلات الروائح وغير ذلك.

ومن الملاحظ اليوم، ليس فقط أن هناك تراجعاً في معامل الذكاء ولكن أيضاً تراجع في عدد الأطفال الموهوبين. فالمواد التي تؤثر على عمل الدماغ كثيرة للغاية ولا نعرفها كلها ولا آليات عملها. ودماء الأطفال اليوم تحتوي على مئات الجزيئات الكيمائية الغريبة. والصناعات الكيمائية اليوم هي الأكبر في العالم، وهي موجودة في كل ما نستهلكه في الحياة اليومية، فما العمل؟ ربما أن الأحكام السابقة تحتاج إلى مزيد من التأكيد، فتداخلات المسألة أعقد من أن تغطى بجواب نهائي وحيد. وفي كل الأحوال علينا اليوم بأكثر مما مضى أن نفكر في أحوالنا وما نحن فيه وإلى أين سيؤدي بنا الحال الذي نحن فيه ... 

ومع هذا، فبحسب الباحثة البريطاينة بربارة ديمينكس، علينا التخلص من كثير من المواد الكيميائية التي نستعملها في حياتنا اليومية، وعلى الأمهات الحوامل تناول قدر كاف من اليود الذي يساعد على تشكيل الهرمونات الدرقية اللازمة لصحة عقلية طبيعية. وهو موجود في الملح الطبيعي والسمك واللبن الطبيعي والحليب والفول...


ستكون الحياة صعبة في عالم لا موهوبين فيه، عالم بلا فن ولا كتابة ولا ابتكار ولا قصيدة... ولا حلم بعالم أفضل... عالم أغبياء، هم أحفادنا.

هناك تعليقان (2):

  1. أرى أن هذه الدراسة قد تكون غير دقيقة، لذا من الضروري الاستئناس بغيرها.

    ردحذف
    الردود
    1. هذه خلاصة عدة دراسات في مناطق مختلفة من العالم وعلى مدى العديد من السنوات شارك فيها باحثون علميون نعروفون في أوساطهم بجديتهم... ما قد يكون غير مؤكد اليوم هو السبب الذي قدم من أن المسألة تتعلق في عنصر اليود وعناصر أخرى، ولكنهم يقولون هذا ما نعرفه حتى اليوم، وكما جاء في المقال فهناك عشرات الجزيئات الكيمائية التي تسللت إلى دمائنا ولا نعرف كل ما يمكن أن تؤثر فيه... ومن الشائع اليوم وجود مساعد(ة) في بعض صفوف المدارس الأوربية للعناية بأطفال يعانون من الانطواء (autism) أو عدم القدرة على التكيز hyperactivity ... وفي كل الأحوال لا يمكن لكل المواد الكيمائية التي ترافقنا اليوم في كل شيء ومنذ منتصف القرن السابق أن يكون تأثيرها حيادياً، فعدد المواد المسرطنة لا يتوقف عن التزايد، فلما الاستغراب إن كان بعضها يؤثر على عمل الغدة الدرقية!... وفي كل الأحوال فالله أعلم!

      حذف