بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 28 نوفمبر 2017

أنديرا غاندي... عيد ميلادها المئوي

ولدت أنديرا نهرو في التاسع عشر لعام 1917. وهي الابنة الوحيدة لأحد أهم أبطال الاستقلال الهندي، جواهرلال نهرو، ابن لمحامي غني، وهو بدوره أصبح محام. تعود أصولهم إلى إقليم كاشمير من البراهمة. رافقت والدتها للاستطباب من مرض السل إلى سويسرا، فدرست في المدارس السويسرية، وذهبت إلى أكسفورد في بريطانيا للدراسة بعد وفاة والدتها عام 1936. تزوجت من فروز غاندي عام 1941، وأنجبت منه راجيف وسانجاي. كان زوجها صحفياً وسياسياً. توفي زوجها عام 1960 إثر أزمة قلبية. ولا علاقة لزوجها بالمهاتما غاندي، وإنما تصادف أسماء فقط، وعليه فلا قرابة لأنديرا بالمهاتما غاندي كما يمكن للبعض الظن.

رافقت والدها في الكثير من جولاته الخارجية قبل أن يصبح أول رئيس وزراء للهند عام 1947، وأثناء ذلك. وكانت دائماً قريبة منه جداً. كانت بين الاثنين مراسلات كثيرة وخاصة أثناء تعرض والدها للسجن المتكرر من المستعمر البريطاني. جُمع جزءٌ هذه الرسائل في كتاب بعنوان: "رسائل والد إلى ابنته". وهذا ما أثر في خياراتها وامتهانها السياسة. أصبجت عضواً في الهيئة التنفيذية لحزب المؤتمر الهندي عام 1955، وانتخبت رئيسة للحزب عام 1959 بالرغم من معارضة والدها، ولم تترشح في العام التالي لهذا المنصب، وهو العام الذي توفي فيه زوجها. خلف شاستري والدها في الحكم عام 1964 وأوكلت إليها وزارة الإعلام، حيث ظهرت موهبتها السياسية بمداخلاتها أثناء اضطرابات عام 1965 والحرب الهندية الباكستانية الثانية. وانتخبت رئيسة للوزراء عام 1966 بعد وفاة شاستري.

قامت بتخفيض عملة بلدها، ولم يلق هذا ترحيباً شعبياً، وهي إذ فعلت ذلك فكان لمواجهة مجاعة قادمة. كانت قد طلبت مساعدة الأمريكان الغذائية فطالبوها بتغيير سياسة بلدها بالمقابل وخاصة موقفها إزاء حرب فيتنام. فرفضت وسارت على طريق بناء مشروع طويل الأمد للاكتفاء الغذائي. كما أنها قامت بتأميم 14 مصرفاً هندياً، وهذا ما أضاف إلى أعدائها أعداء جدد. فُصلت من حزب المؤتمر لمواقفها اليسارية لذا بحثت عن مؤازرة الحزب الشيوعي وعامة الهنود، وألغت عام 1970 المزايا الخاصة التي كان يتمتع بها المهراجات وبعض الأمراء. كانت وراء الإصلاح الزراعي الهادف إلى توزيع عادل للثروة مما أدخلها في أزمة مع المحكمة العليا، ولكنها ربحت الجولة بنتيجة انتخابات عام 1971 وانتصار الهند في حربها الثالثة مع الباكستان، وهذا ما جعل منها شخصية أكثر تسلطاً، فغير رئاسة الوزراء كانت وزيرة للإعلام والداخلية والتخطيط والطاقة النووية.

ولكن هذا لم يمنع المعارضة السياسية من مقاومتها عبر استنكارها لنتائج الانتخابات، وهو ما كانت المحكمة العليا في طريقها للموافقة عليها، الأمر الذي حدا بأنديرا غاندي لإعلان حالة الطوارئ العامة في البلاد عام 1975، حارمة بذلك المعارضة من ممارسة دورها وكذلك الصحافة. كما ضغطت على مجلس النواب لإجراء تغيرات دستورية طال بعضها صلاحيات المحكمة العليا. وكذلك تلاعبت برئيس الجمهورية بحيث أمكنها إصدار قوانين بدون الرجوع إلى البرلمان وإنما عن طريق قرارات صادرة عن الحكومة. وفي هذا الجو من الديكتاتورية كان لابنها الصغير دور سلبي جداً في توقيف المعارضين وممارسة أنواع من التعذيب وفضائح مالية. كل هذا أدى إلى خسارتها لانتخابات عام 1977 لدرجة أنها لم تفلح هي نفسها للنجاح في دائرتها الانتخابية.

ألغيت الأحكام العرفية، وجرت محاكمتها من قبل الحكومة التي فازت في الانتخابات، وهذا ما أعطاها فرصة وضع نفسها موضع الضحية، كما أن الحكومة الجديدة لم تقم بأعمال تذكر مما سهّل عودة أنديرا للحكم عام 1980. تصرفت في المرة الثانية بدكتاتورية أقل، واتخذت مساراً اقتصادياً أكثر ليبرالية. ومع هذا فلا تزال نتائج فترة حكمها غير متفق عليها. الشباب والفقراء ينظرون إليها بإعجاب، ولكن إعلانها لحالة الطوارئ ومحاولتها التهرب من مواجهة المحكمة العليا يبقيان نقطة سوداء في تاريخها السياسي. أما كونها هي من كانت وراء البرنامج النووي لبلادها التي امتلكت السلاح النووي عام 1974 فلا يذكر كثيراً عند محاولة حصر إرثها السياسي. ولا دورها الكبير في حركة عدم الانحياز وسياسة التوازن بين العملاقين العسكريين في أيام الحرب الباردة...كانت تقول عند سؤالها عما أنجزت: لا نزال في أول الطريق، ولا أزال أردد بيت شعر لطاغور يقول فيه: "أبتي، متى يصحو وطني!"

وفي عام 1984 قمعت عصياناً للسيخ، قمعاً لا يخلو من مآرب سياسية داخلية. راح ضحية هذا القمع نحو ثلاثة آلاف من السيخ واصفة الأمر بأنه محاولة انفصالية لا يمكن السكوت عنها. وفي 31 تشرين الأول عام 1984 أصابها حارسان من حراسها السيخ بنحو ثلاثين رصاصة وتوفيت إثر ذلك...شارك في جنازتها أكثر من مليون هندي، وقام ابنها راجيف، الذي أصبح رئيساً لوزراء الهند بعدها، بنثر رمادها فوق جبال الهملايا... القمع هو آخر السياسة، قد يعطي أوكلاً، ولكنه غير محسوب العواقب أبداً... ولايزال أجمل القول: إن حكمت فاعدل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق