بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 نوفمبر 2017

الماساي...قبائل من قبل التاريخ

الماساي شعب يعيش في جنوب غربي كينيا وشمالي تنزانيا. وهو إحدى المجتمعات النيلية التي كانت تعيش في السودان سابقاً. يصعب تقدير عدد الماساي كونهم شبه رحّل بين دولتين لا يعترفون بحدودهما. لا يتجاوز عددهم بضع مئات الآلاف. تزايدهم محدود، ذلك أن وفيات الأطفال كبيرة، كما أنهم عانوا في تاريخهم القريب من الاستعمارين البريطاني والألماني، هذا غير هجمات القبائل الأخرى، والأوبئة وخاصة طاعون البقر والجدري.

مهنتهم الرعي، رعي الأبقار والخرفان والماعز. يرتحلون حيث يتوفر الكلأ لماشيتهم.  وفي أماكن عيشهم تسري حيوانات السهوب الأفريقية بأسودها وفيلتها وزرافاتها وثيرانها وأفاعيها وتماسيحها وأحصنة البحر وغيرها. وهم يتعايشون معها ولا يصطادون منها إلا الأسود ضمن طقوس يحوز فيها صائدهم على مكانة خاصة.

يبنون بيوتاً مؤقتة، بيضاوية التكوين، تتألف من غرفة للعيش والنوم، وغرفة للمرأة وصغارها حيث تستقبل زوجها أو عشيقها. ويضم البيت أيضاً مكاناً لصغار الماشية، ومكاناً لطهي الطعام. وهي بيوت يبنونها من أغصان الأشجار والطين وروث الأبقار، تبنيها المرأة. يشكلون قرية ذات سياج شائك يتركون داخله ماشيتهم درءاً لمهاجة اللاواحم. يحرقون قراهم عند ارتحالهم وأحياناً يتركونها على حالها إن كان هناك احتمال لعودتهم إليها في المستقبل. تعود ملكية البيت للمرأة، وهي من تقوم بحلب الماشية، وجلب الماء، وتحضير الطعام وصناعة الحليّ، والاعتناء بالصغار والقيام بأعمال الصيانة.

تتركز حياة الماساي حول الماشية التي تشكل مصدر طعامها الأول، وثراء العائلة يكون بعدد الأبقار التي تمتلكها. وتمتلك العائلة وسطياً دزينة من الماشية يقوم الرجال على رعيها. حليب الماشية هو الغذاء الرئيس للماساي، وكذلك الدم المسحوب من وريد العجل الذي يمزج مع الحليب. أما اللحم فهو للمناسبات. ولا يعرفون السمك ولا يصطادون الطيور أو حيوانات الغابة لتناولها، ولكنهم يصطادون العسل. ويقتاتون ويتداوون ببعض الأعشاب البرية والفواكه، ولكنهم لا يزرعون.

الزواج هو في الأغلب نتيجة اتفاق مدبر. ويكون الزواج للذكور بعد عملية "الطهور"، التي عليهم ألا يبدون خلالها أي تعبير عن ألم أو ضيق، وإلا فإن ذلك سيكون بمثابة عار عليهم وأهلهم. وكذلك للفتيات الزواج بعد الختان. ويمكن للرجل أن يتزوج بأكثر من امرأة، ولكل امرأة منزلها. وللنساء الحق باتخاذ عشيق حتى لو كانت متزوجة، وهي من تختار عشيقها على أن يكون من فئة عمر زوجها. والأطفال لدى الماساي هم أثمن شيء. وعائلاتهم تبقى محدودة العدد نظراً لكثرة الوفيات لدى الصغار. يتم إعداد الشباب ليكونوا محاربين بإخضاعهم لنوع من المعسكر الذي يتلقون فيه تقاليد الماساي وفنونهم ومعارفهم. معارفهم في طبائع الحيوانات ومعرفة نوعها من الآثار التي تتركها على الأرض، وكيف يمكن تحاشيها، ومتى يمكن العبور أمامها وكيف، دون إثارتها. وجذور الأرض ونباتاتها ولحاء الأشجار وكيفية التغذي بها والاستطباب.

للماساي إله يعبدونه، وهو إله الخير الأسود وزوجته القمر. يضرعون إليه لحمايتهم وإرسال المطر والزيادة في ماشيتهم والسلام لهم ولأبنائهم. كما أن هناك إله أحمر، يجب اتقاءه، فهو إله الغضب والمرض والجفاف. وهم يعتقدون أن إله الخير أعطى الماشية للماساي فقط دون الخلق أجمعين، وأن الآخرين قد سرقوها منهم في يوم ما. وهذا ما أدخلهم في صراعات قاتلة مع قبائل أخرى لاسترجاع ماشيتهم.

يحبون الحليّ، رجالاً ونساءً، على شكل عقد بأنواع وحجوم مختلفة، وكذلك حلق تعلّق في آذانهم التي تتوسع فتحاتها بتأثير وزن الحلق هذه. ملابسهم ملونة جمبلة يغلب عليها لون الحمرة. وهم في كل هذا يمثلون بقايا من تاريخ منقرض يجذبون إليهم، مع مناظر السهوب وثروتها الحيوانية الطبيعية وقمم كاليمنجارو، السائحين من كل العالم وخاصة الأوربيين.


تضغط حكومات الدول على استقرارهم منذ فترة، واشتد ذلك في السنوات الأخيرة، وهم فيما يبدو مضطرون للإذعان... قد يكون في ذلك خيرٌ لهم ولبقائهم، وبذلك سيختفي أثر من آثار التاريخ الأول للبشرية،... بشرية عرفت كيف تعيش مع الكائنات الأخرى والبيئة، دون ضرر ولا ضرار. وباسم التقدم يجب التغيّر والتكيّف، وإن كان التقدم، كما نظن، بحاجة إلى إعادة تعريف وإعادة إنتاج.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق