بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 8 نوفمبر 2017

تاريخ اجتماعي لوسائط التواصل... من غوتنبرغ إلى الإنترنت

المؤلفان: آسا بريغس وبيتر بُرْك... المترجم: نور الدين شيخ عبيد

من المقدمة
بدأ استخدام كلمة "وسائط التواصل" (media)، بحسب قاموس أوكسفورد للغة الإنكليزية، في عشرينيات القرن العشرين. وبعد جيل، أي في خمسينيات القرن، استُخدم تعبير "ثورة الاتصالات". لكن الاهتمام بوسائل الاتصال هو أقدم من ذلك بكثير، فالخطابة، فن الاتصال الشفهي والكتابي، كانت أمرًا جديًّا للغاية في اليونان القديمة وروما، ودُرس ذلك في القرون الوسطى، وبحماسة أكبر في عصر النهضة الأوروبية.
أخِذَت الخطابة، بما فيها السياسية، على محمل الجد في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، فيما كانت أفكارٌ رئيسية أخرى في طور البزوغ. أما مفهوم "الرأي العام، فظهر في أواخر القرن الثامن عشر، في حين أمكن تقّفي آثار الاهتمام "بالجماهير" منذ مطلع القرن التاسع عشر، حين كانت الجرائد، التي سنعود إلى تاريخ كلٍّ منها في كل فصل، تساعد في تشكيل الوعي الوطني بجعلها الناس يتنبهون إلى زملائهم من القراء.


توجّه اهتمام البحث العلمي في النصف الأول من القرن العشرين، بخاصة في عقب الحربين العالميتين، إلى دراسة الدعاية المنحازة (البروباغندا)، فقد نشرالألماني والتر بنجامين  (1892-1940) دراسة مهمة بعنوان عمل الفن في عصرالإنتاج الميكانيكي (1936)، في وقتٍ طوَّر أعضاء مما يسمى "مدرسة فرانكفورت"، التي أسسها تيودور أدورنو (1903-1969) وماكس هوركهايمر(1895-1973)، "نظريةً نقدية" لما سمَّوه بـ "صناعة الثقافة"، قبل أن يتركوا بلدهم بعد وصول هتلر إلى السلطة، ليعودوا ويلموا شملهم في الولايات المتحدة.

وسّع بعض أصحاب النظريات الطموحين منذ وقت قريب، ابتداء من عالم الإناسة (الأنثروبولوجيا) الفرنسي كلود ليفي شتراوس (1908-[2009]) إلى عالم الاجتماع الألماني نيكلاس لوهمان (1927-1998)، مفهوم "الاتصال" إلى ما هو أبعد، فقد كتب شتراوس عن مبادلة البضائع والنساء، وكتب لوهمان عن السلطة والمال والحب باعتبارها وسائل اتصال (kommunikationsmedien). وإذا كانت هذه هي الحال، كما قد يتساءل القراء، فما الذي لا يمكن اعتباره اتصالًا؟ سوف يتعامل هذا التاريخ بداية مع إيصال المعلومات والأفكار والتسلية بالكلمات والصور عبر وسائل: الكلام والكتابة والموسيقى والطباعة والبرق (التلغراف) والهاتف والراديو والتلفزيون، ومنذ فترة قريبة الإنترنت، كما أن الاتصال الفيزيائي سيكون أيضًا موضع اهتمام.

ويمكن القول إلى حد كبير، إن الباحثين بدأوا في عصر الراديو الاعتراف بأهمية الاتصال الشفهي في اليونان القديمة وفي القرون الوسطى الأوروبية، وكذلك في أفريقيا وأماكن أخرى. وجلبت حقبة التلفزيون في خمسينيات القرن الماضي الاتصالَ المرئي، وأدّت إلى بزوغ نظريات تضافرت على إنشائها اختصاصات مختلفة لوسائط التواصل، فكانت مساهمات من الاقتصاد والتاريخ والأدب والفن والعلوم السياسية وعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الإناسة، وقادت إلى ظهورأقسام أكاديمية جديدة للاتصال والدراسات الثقافية. بعض الجمل المثيرة والجامعة أفكارًا جديدة صاغها أناس مثل هارولد إنيس(1894-1952)،ا لذي كتب عن "انحيازالاتصال"، ومارشال ماكلوهان (1911-1980)، الذي تحدّث عن القرية العالمية، وجاك غودي (1919- [2015])، الذي تابع مسار تدجين العقل المتوحش، ويورغن هابرماس (1929-)،عالم الاجتماع الألماني الذي كان في مدرسة فرانكفورت يومًا ما، إذعرّف "المجال العمومي" بأنه منطقة  "للخطاب" تُسبر فيها الأفكار ويُعبّر عن الآراء.


يزعم هذا الكتاب، بصرف النظر عن نقطة البداية، أنه من الضروري للعاملين في الاتصال والدراسات الثقافية، الذين تتزايد أعدادهم، أن يأخذوا التاريخ في الاعتبار جديًّا، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المؤرخين، بصرف النظر عن الفترة وعن اهتماماتهم المحددة بالتاريخ، وأن يتناولوا بالجدية ذاتها مسألة الاتصال، بما في ذلك جانبا نظرية الاتصال وتكنولوجيا الاتصالات. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق