بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 9 ديسمبر 2015

البريد والتاكسي والبوسطة



كان تبادل المعلومات، أياً كان نوعها، من أهم العوامل في إدارة البلدان والدول التي بدأت تتشكل بالمفهوم المعاصر منذ عصر النهضة الأوربية. وهذا التبادل يقتضي توفر وسائل للاتصالات التي تمثل "أعصاب الحكومة" في الدول الكبيرة، وخاصة في الإمبراطوريات المترامية الأطراف القديمة والحديثة.

ففي القرن السادس عشر، حاول شارلز الخامس (إمبراطور روما المقدسة؛ حكم بين 1519-1558)، الذي شملت أراضي سيطرته كل من إسبانيا وهولندا وألمانيا والجزء الأكبر من إيطاليا وكذلك المكسيك والبيرو، حل مسألة الاتصال عن طريق التنقل بلا انقطاع عبر إمبراطورتيه! فقد قام بزيارة الدول أو المناطق التابعة له بلا انقطاع للاطلاع على أحوالها والإمساك بحكمها. فقام خلال الأربعة عقود من حكمه كإمبراطور بأربعين رحلة؛ عشر زيارات إلى هولندا، وتسع إلى ألمانيا، وسبع لإيطاليا، وست إلى إسبانيا، وأربع إلى فرنسا، واثنتان إلى إنكلترا، واثنتان إلى شمال أفريقيا. 

بدأ عصر الرسائل والتقارير مع انتشار الطباعة في أوروبا. لذا كان حكم فيليب الثاني (ابن شارل الخامس وحكم بين 1558 و1598) عصر "إمبراطورية الورق"، وسمى فيليب الثاني بإمبراطور الورق. ذلك لأنه أمضى فترة حكمه يقرأ الرسائل والتقارير، يوقعها أو يعلق عليها ويعيدها، ولم يقم بالتنقل أبداً على طريقة أبيه. 

ولكن هذا كان يتطلب نظام منتظم لنقل الرسائل، وهو ما حدث وعرف لاحقاً بالنظام البريدي postal، الذي سمي كذلك لتضمنه إقامة مواقع posts مع رجال وأحصنة مقيمين على طول بعض الطرق أو طرق المواقع post-road. وكلمة post تعني علامة خشبية مغروسة في الأرض بارتفاع مرئي كما في حالة القطع الخشبية التي تبين الحدود الفاصلة بين الأراضي المزروعة التي يوضع عليها الشريط ليشكلاً معاً السياج.

وفي ألمانيا، هيمنت عائلة واحدة في القرن السادس عشر على نظام البريد الأوروبي، وهي عائلة تاسيس Tassis، (وهو الاسم الذي اشتقت منها كلمة "تاكسي Taxi المتداولة عالمياً الآن). كانت هذه العائلة مسؤولة عن البريد لأباطرة هابسبورغ منذ عام 1490 فصاعداً، وهي التي طورت نظام الرسائل العادية، الذي يعمل بحسب جداول زمنية ثابتة. كان التوزيع يجري وفق طرق منها الطريق الذي كان يمر من أوغسبورغ إلى مدينة بولونيا الإيطالية ثم فلورنسا ثم روما ونابولي. وطريق آخر من أوغسبورغ إلى باريس إلى طليطلة فغرناطة.
Afficher l'image d'origine 
بقي أن نتذكر أغنية فيروز "ع هدير البوسطة"، وأن نعرف من أين أتت كلمة "البوسطة" التي كانت وسيلة النقل الجماعية الأولى بين المدن، التي غيرت اسمها اليوم إلى "باص"!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق