بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 18 مايو 2018

سنغافورة... تعليم الرياضيات


سنغافورة هي دولة-مدينة تتكون من 63 جزيرة مساحتها الإجمالية نحو 720 كيلومتراً مربعاً، وفي أكبر الجزر التي تبلغ مساحتها نحو 585 كيلومتراً مربعاً تقع مدينة سنغافورة. وهذه المدينة هي ثاني مدن العالم كثافة في السكان، وهي الأكثف في آسيا، وهذا لم يمنع من زراعة الأشجار في هذه المدينة، وحتى في مركزها، وفي طوابق المباني، مما جعلها تحوز على لقب المدينة-الحديقة.

يبلغ عدد سكان الدولة نحو 5.9 مليون نسمة أي بكثافة 8188 شخص في كل كيلومتر مربع. حصلت هذه الدولة على استقلالها عام 1965، وحققت نمواً وازدهاراً متميزين في العالم وعلى كل الصعد، من السياسي إلى الاقتصادي والتعليمي والصحي والأمني. وفي عام 2013 بلغ الناتج الإجمالي المحلي السنوي للفرد، منسوباً إلى القوة الشرائية نحو 78 ألف دولار، فاحتلت بذلك المرتبة الثالثة في العالم. أما على مؤشر التنمية البشرية فقد احتلت المرتبة الحادية عشرة في العالم. وفي التعليم واختبارات التعليم المعيارية فقد احتلت المراتب الأولى في العالم وخاصة في الرياضيات وذلك منذ تسعينيات القرن الماضي.

فبعد نحو عقد من الاستقلال بدأ فريق عمل سنغافوري في وضع آليات وبرامج تعليم تهدف إلى تيسير التعلم والارتقاء بمستواه. استفاد الفريق من مجموع أعمال كبار المربين في العالم. وتوصّل الفريق إلى طريقة بدأ تطبيقها منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي أعطت ثمارها لدرجة أن دولاً غربية اشتهرت بنظامها التعليمي بدأت في تطبيق الطريقة السنغافورية، كما تعرف اليوم في العالم، في تعلم الرياضيات في مدارسها، وخاصة المرحلة الابتدائية.

يؤكد مهندسو هذه الطريقة على تعليم معنى العمليات الحسابية قبل تعليمهم خطوات تنفيذ هذه العمليات. فالجمع الحسابي مثلاً سيعالج على مدى ثلاثة أسابيع في الصف الأول الابتدائي بالاقتصار على الأعداد من 0 إلى 10 ولكن عبر معاني "الإضافة" أو "التجميع". بمعنى أنه إذا كان لدى تلميذ 3 تفاحات ولآخر 4 تفاحات ووضعاها معاً في سلة واحدة فكم سيكون عدد التفاحات في السلة؟ وسيتعلم طلاب الصف الأول العمليات الحسابية الأربع باستخدام مماثلات مختلفة دون الدخول في إجرائيات هذه العمليات. فالطرح مثلاً هو استهلاك عدد من تفاحات السلة، والقسمة هي توزيع التفاحات بالتساوي بين طالبين أو أكثر، والجداء هو المضاعفة مرة أو مرات وهلمجرا. يبدو ذلك بطيئاً في البداية ولكن هذه الطريقة تسمح بترسيخ المفاهيم البسيطة في أذهان الطلاب بحيث يتمكن طلاب الصف الرابع والخامس من متبعي هذا النهج من دراسة مواضيع تُدرّس عادة في الصفوف الإعدادية.

وهذا النهج في الواقع يقوم (بإيجاز)على ثلاث خطوات رئيسية هي:
1.       النمذجة: بمعنى استخدام تمثيل صوري لحالة أو مسألة ما يمكن أن تبدو للتلاميذ صعبة الإدراك (مجرّدة) وعلى المدرس هنا أن يقود الطلاب لإنشاء هذا التمثيل (الشكل المرفق يوضح ذلك). يطرح المدرس أسئلة وكذلك التلاميذ للوصول إلى صورة أو رسم مفهوم. وهنا تظهر الكميات المعروفة والكميات المجهولة بما يسمح بالوصول إلى الحل مباشرة.
2.       نهج "الواقع-التصور-المجرد": فكل مفهوم هنا يُلامس من زاوية واقعية بما يسمح للتلميذ أن يتعامل مع الأمور بيديه، باستخدام مكعبات أو أجسام مصغرة من الحياة اليومية. ومن ثم تحوّل المسألة إلى رسم مكافئ يتعاون في إنشائه تلميذان معاً أو كل بمفرده، ثم تأتي مرحلة التجريد بإعطاء أرقام أو أعداد تقابل ما هو موجود في الرسم.
3.       التعبير الشفهي: فبعد الانتهاء من المرحلتين السابقتين يتوجب على الطلاب التعبير شفهياً عن أفكارهم. ويكون عليهم وصف وشرح الخطوات التي يجب اتباعها لحل المسألة المطروحة. وهنا يكون دور المدرس محورياً في مساعدة التلاميذ وفي طرح مسائل وتمارين كثيرة لتدريب الطلاب وتملكهم منهج الحل.
يتوقف نجاح هذه الطريقة على المدرس وإعداده لهذه المهمة وتزويده بكل الوسائل الإيضاحية والكتب المرجعية الخاصة بالمدرس. كما أن نجاحها يقوم على أن المساءل والمواضيع تعرض بطريقة مسلية ومثيرة للتلاميذ تدفعهم للمشاركة والاكتشاف بأنفسهم بما يحفزهم على حب المادة وطلب المزيد.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق