بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 6 مايو 2018

الصحون الطائرة...الظن والعلم


بدأت قصة الصحون الطائرة في الولايات المتحدة عام 1947 إثر قيام رجل الأعمال كنيت أرنولد برحلة بطائرته في شمالي غربي أمريكا وملاحظته لأجسام غريبة، عند اقترابه من فوهة بركان شبه خامد، تسير بسرعة قدّرها بنحو ضعف سرعة الصوت، لها شكل نصف دائري في المقدمة ومثلث في المؤخرة، وليست دائرية كما صورت بعد ذلك.

روى مشاهداته لزملائه عند عودته إلى المطار. كان الحديث عن أسلحة سرية في تلك الفترة رائجاً، وأن هناك أسلحة ألمانية حازت عليها أمريكا سراً وبعضها حاز عليها الاتحاد السوفيتي. وفي إحدى سفراته قابل شخصاً في أحد الفنادق روى لها مشاهداته لأشياء غريبة تشبه تلك التي رآها أرنولد نفسه. روى أرنولد مشاهداته لصحفيين يعملان في جريدة محلية. وانتشرت هذه الرواية بواسطة وكالة الأسوشيدت برس في أرجاء الولايات المتحدة وبثت الإذاعات الأمريكية خبر هذه الأشياء الغريبة في مقدمة نشراتها، وكذلك حاز هذا الخبر على الخبر الأول في الصحافة التي بدأت تطلق عليها اسم الأقراص أو الصحون الطائرة.

احتدم النقاش حول هذا الموضوع في أمريكا، وخصوصاً حول مصداقية الخبر الذي تداعي إلى تأكيده بعض الأمريكيين بروايتهم لمشاهدات مشابهة. حاول بعض العاملين في المجالات العلمية عزي ذلك إلى التهيؤات أو الاستغراق في الخيال العلمي الذي يعززه جو الحرب الباردة بين أمريكا وروسيا التي كانت في بدايتها آنذاك. اهتمت قيادة الجيش الأمريكي بالأمر فشكلت لجنة للتحقيق ودراسة الأمر. أدلى طيارون مدنيون وحربيون بمشاهدات مماثلة لمشاهدة أرنولد. تخوفت قيادة الجيش من أن يكون الأمر مشاهدات لأجسام طائرة روسية تصل إلى الولايات المتحدة عبر آلاسكا، تماماً كما كانت تفعل أمريكا بتجسسها على روسيا آنذاك. استمر عمل اللجنة بشكل سري حتى ستينيات القرن العشرين، وهذا ما أثار فضول الصحفيين والناس وجعل الموضوع فرصة لكل خيال، بالرغم من أن العاملين في مجال العلم لم يروا في الأمر ما يجعلهم يبحثون فيه واعتبروه مجرد تخرصات.

حرّض الاضطراب بين موقف المخابر العلمية ولجان الجيش الأمريكي على قيام مجموعات من الهواة في أمريكا وأوروبا للبحث والتحقيق في الأمر، خاصة وأن فكرة وجود حياة على كواكب أخرى من بينها المريخ هي فكرة متداولة في الغرب منذ القرن التاسع عشر.، وكذلك انتشار أدب الخيال العلمي على نطاق واسع. نشط الهواة في الكتابة والدعاية لموضوع الصحون الطائرة ولسكان الفضاء. ساهم بعض العلميين في الأمر من زاوية أن الأمر محتمل. وفي نهاية سبعينيات القرن العشرين ظهرت بعض كتابات من الهواة وغيرهم تقول بأن الأمر لم يكن سوى سوء تفسير لمشاهدات حقيقية ولكن لا علاقة لها لا بالصحون الطائرة ولا بسكان الفضاء. كما أقيمت مخابر في أوروبا لدراسة الظاهرة في الثمانينيات انتهت بسرعة إلى نتيجة سلبية.

ولكن هذه لم تحسم الجدل. ففي مطلع تسعينيات القرن العشرين طالب الهواة الأمريكيون الكونغرس بالتدخل وكشف خبايا بعض الأمور خاصة ما كان يشاع عن التقاط الجيش الأمريكي في منطقة روزويل لحطام صحن طائر يعود إلى نهاية خمسينيات القرن العشرين ولاحتجازه لجثة لأحد سكان الفضاء. وبالفعل قدم الجيش تقريراً عن ذلك قال فيه إن الحطام لا يعود إلى صحن طائر وإنما إلى حطام تجهيزات جوية سرية للجيش الأمريكي هدفها كان التجسس على الاتحاد السوفيتي لمعرفة حقيقة امتلاكه للقنبلة النووية. أما الجثة المفترضة فهي ليست إلا نماذج خشبية وجصية تحاكي أشكال البشر استعملت في التدريبات الجوية على أسلحة سرية. وأن الجيش الأمريكي أبقى يومها الأمر سراً حتى لا يثير انتباه الاتحاد السوفيتي!

ولكن جزءاً من الجمهور الأمريكي لم يصدق تقرير الجيش الأمريكي واعتبره محاولة لتشتيت الانتباه ضمن ما يعرف بنظرية المؤامرة. وبظهور الإنترنت انتشرت المجموعات المؤيدة والمترددة والمناهضة لفكرة الصحون الطائرة، ولا يزال الموضوع قائماً. 

يبدو أن الناس بحاجة إلى مثل تلك المواضيع بصرف النظر عن صحتها أو لا، فهي تشعل الخيال، خيال لا حدود له دائماً. ومع هذا فإن مثل هذا السؤال لم يشغل سوى الغرب، فلا أحد من سكان أفريقيا أو الهند أو الصين تحدث عن مشاهدات مماثلة. كما أنه إذا صدقنا أن لا شيء أسرع من الضوء وأن كواكب النجوم القريبة منا لا تحتوي على حضارة لحياة ما كما تقول الدراسات العلمية المتوفرة حتى الآن، إذن فعلى الصحون الطائرة أن تقطع مليارات الكيلومترات لتصل إلينا... فهل لمثل كائنات الفضاء أن تعيش الزمن اللازم للوصول إلينا، إلا إذا كانت كائنات لا تموت؟

وفي كل الأحوال فقد شغل الموضوع الصحافة والسينما والتلفزيون وعرف سوقاً رائجة لا يزال يشغل الناس في الغرب... في الوقت الذي ينظر باقي العالم إلى هذا الموضوع باستغراب وعدم اكتراث.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق