بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 8 مايو 2018

كارل ماركس... مائتا عام على ميلاده

ولد كارل ماركس في الخامس من أيار لعام 1818 في ألمانيا اليوم التي كانت تسمى بروسيا في أيامه. والده من يهود ألمانيا، كان جد أبيه حاخاماً، ولكنه اعتنق البروتستانتية عام 1816 للتمكن من ممارسة المحاماة. أما أمه فكانت من يهود هولندا، وكان أباها حاخاماً إلا أنها اعتنقت البروتستانتية عام 1825 بعد وفاة أبيها. وعُمّد كارل في الكنيسة البروتستانتية وتم تأكيد تعميده عام 1834، ولكن أباه الذي كان يعيش وفقاً للعادات اليهودية أعطى ابنه اسم كارل هنريش مردخاي. ومن المؤكد أنه لم يتبع الديانة اليهودية ولم يمارس الطقوس المسيحية أو اليهودية، سواء هو أو عائلته. 

تزوج في عام 1843 من فتاة عرفها منذ أيام الدراسة وتنتمي إلى طبقة نبلاء إحدى المناطق الألمانية، وأصبح أخوها وزير للداخلية للفترة بين 1850 و 1858. رزقا بستة أولاد مات ثلاثة منهم وبقي ثلاث بنات. أومن مات من أولاده فماتوا وهم صغاراً في فترة كان مارك يعيش فيها فقراً منعه في إحدى المرات من الذهاب لإحضار طبيب، إذ لم يكن يملك لا أجرة الطبيب ولا ثمن الدواء. كما رزق ماركس بطفل من خارج الزواج، امتد به العمر أكثر من بقية أولاده (1851-1929) الشرعيين، حمل اسم أمه دون أبيه. كان أولاد ماركس، كما أصدقاؤه، يسمونه "المورو" (وهي كلمة كانت تشير إلى مغاربة الأندلس) لسمرة بشرته، وهي سمرة اشتهر بها يهود أوروبا الغربية الذين تعود أصول معظمهم إلى الأندلس التي غادروها في القرن السادس عشر.

درس في المدارس والجامعات الألمانية وحصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1841 بدفاعه عن أطروحة بعنوان: الفرق في فلسفة الطبيعة لدى ديموقريطيس وأبيقورس. وذلك بعد دراسته للاقتصاد والفلسفة. عمل عقب ذلك في تحرير مجلة ألمانية لم تعش طويلاً بسبب ميول المجلة الثورية الديمقراطية ومطالبتها بحرية الصحافة. عمل أيضاً في شركة تجارية كان لأبيه حصة فيها وهنا تعرّف إلى ظروف العمال السيئة وبدأ في التفكير فيها ودراستها. وفي ظل الأجواء السياسية في ألمانيا المناوئة لحرية التعبير والكتابة اضطر إلى اللجوء إلى فرنسا حيث عمل في الصحافة وحيث قابل إنجلز في عام 1844 الذي ارتبط به بصداقة وزمالة في العمل امتدت إلى أن فرقهما الموت. كتباً معاً كتباً ومقالات عديدة من أشهرها "بيان الحزب الشيوعي" عام 1848.

قبل ذلك كان ماركس قد طرد من فرنسا باعتباره شخصاً ثورياً خطيراً فغادرها إلى بلجيكيا عام 1845، ولكن ليعود إلى فرنسا أثناء ثورة عام 1848 ثم إلى ألمانيا مع امتداد الثورة إليها ولكنه اضطر لمغادرة ألمانيا مرة ثانية مع نجاح الثورة المضادة بالرغم من أنه مواطن بروسي. فعاد مرة ثانية إلى فرنسا التي طرد منها بعد أشهر قليلة في عام 1849 بسبب ميوله الثورية ليذهب ويستقر بقية حياته في لندن حيث عرف الفقر بالرغم من مساعدة صديقه إنجلز الذي لم يكن هو الآخر دائماً في حال مادي مريح. مات ابنه إدغار من سوء التغذية، ولم تتحسن أحواله المادية حتى عام 1864 نتيجة إرث أصابه من والدته. وكان قبل ذلك قد كتب "مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي" الذي حدد فيه "قانون القيمة" اللازم لكتابه الأهم "رأس المال". وفي تلك الفترة كتب ماركس في إحدى رسائله: "لا أظن أنه كتب عن المال بهذا القدر في الوقت الذي ينقص فيه على هذا النحو". ولكنه في تلك الآونة أخذ في الكتابة إلى مجلات أمريكية وألمانية لسد رمقه وعائلته.

وفي عام 1867 أنهى الجزء الأول من كتابه "رأس المال" بعد عشرين سنة من العمل، ولكن المرض والتعب أخذا منه كل مأخذ فلم يتمكن من إنجاز الجزأين الباقيين اللذين تعهد بصياغتهما إنجلز بناء على ما تركه ماركس من مسودات وأفكار. وفي سنة 1864 صاغ الخطاب الافتتاحي "لجمعية العمال الدولية" التي تأسست حينها. وبعد سحق كمونة باريس عام 1871 صاغ ماركس كتاب "الحرب الأهلية الفرنسية". ووصل ماركس إلى خلاصة أن البروليتاريا لا يمكن أن تقبل بمجرد الحيازة على آلة الدولة وتشغيلها لصالحها وإنما عليها أن تدمرها عن بكرة أبيها. فقد كانت كمونة باريس واعدة بنموذجها السياسي وتنظيمها ورؤيتها للدولة والمجتمع، ولكن الدولة العميقة الضاربة الجذور كانت حاضرة، مباشرة أو غير مباشرة، لسحق الكمونة بلا رحمة أو هوادة. ومن يومه أخذ صيت ماركس بالذيوع، خاصة لدى الطبقة العاملة.

ورقة نقدية تحمل صورته من ايام ألمانيا الشرقية
يتابع ماركس تجميع المواد والمعلومات اللازمة للجزأين الباقيين من رأس المال، وأخذ في تعلم الروسية لقراءة ما يحتاجه، فقد كان يجيد الإنكليزية والفرنسية والإيطالية إضافة إلى الألمانية بالطبع، ولكنه لم يستطع من تحقيق هدفه إذ كان المرض قد أوهنه. توفيت زوجته عام 1881، وتوفي بعدها بسنتين، ودفنا بجوار بعضهما في بريطانيا. كلاهما ترك أسرته ورخاء العيش، وعاشا الضيق والفقر والنكران، ولكنهما كان يحلمان بمستقبل مثالي للبشرية... ومنذ عام 2015 فإن كلفة بطاقة زيارة قبرهما اليوم هي ستة جنيهات إسترلينية.
ترك أثراً كبيراً في مجالات الفلسفة والسياسة والاقتصاد وعلم الاجتماع، حيث لا تزال أفكاره وكتاباته تناقش في هذه المجالات حتى اليوم. كان يعتقد بأن الطبقة العاملة وفقاً لأنظمة الإنتاج القائمة في أيامه سينتهي بها المطاف بالسيطرة على الحكم كنتيجة طبيعية وليس نتيجة لحرب تشنها أو لوصولها إلى السلطة عن طريق العنف كما كان يعتقد لينين. كما ذكر عنه قوله بأن الدين هو أفيون الشعوب، ولكنه كان يقول ذلك الطبقة الحاكمة هي من تدفع الناس إلى ذلك لجعلها تتوهم حياة أخرى لن تتحقق. 
عرضنا لموجز لأفكاره الرئيسية في ورقة سابقة موجودة على هذا الرابط.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق