بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 26 مايو 2018

عيد الجيران... عيد القرية

تفرض الحياة الحديثة، بخصائصها المتبدلة، على الناس نمط عيش تضعف فيه الصلات لأسباب عديدة. منها البعد، بعد مكان العمل عن مكان الولادة والأهل والأصدقاء. ومنها العيش في مدينة كبيرة يضيع في زحامها الإنسان ويصبح شخصاً مسكوناً بعمله وتنقّله وتلبية حاجاته مما يبعد إمكانية تواصله مع الآخرين، حتى جيرانه. ومنها أيضاً مستوى الدخل الذي يفرض إدارة حريصة للنفقات تحد من الحركة ومن ثم من فرص مقابلة أناس آخرين والارتباط معهم بتواصل ما. ومنها أيضاً السنّ، فكبار السنّ تتراجع فرص لقائهم بالآخرين لانكفائهم على أنفسهم، وتزيد فرص تعرضهم لمرض أو أمراض تفرض عليهم قيوداً تحد من أشياء كثيرة تقلص في نهاية المطاف من فرص تواصلهم مع الآخرين.

وفي دراسة أجريت في فرنسا أظهرت أن 25% ممن تزيد أعمارهم عن 75 سنة يعانون من الوحدة والعزلة، وأن 11% من السكان يعانون إجمالاً من الوحدة والعزلة وهي نسبة تزيد لدى محدودي الدخل لتصل إلى 16% ممن يحصلون على دخل أقل من دخل الحد الأدنى، أي الدخل اللازم للحياة بالحدود الدنيا من حيث السكن والمأكل والملبس.

هذه المعطيات دعت إحدى الهيئات المدنية للدعوة إلى ما أسموه "عيد الجيران". والقصد من ذلك التقاء سكان بناية أو حي صغير في يوم من السنة لتناول وجبة الغذاء معاً. وحدد لذلك آخر يوم جمعة من أيار أو أول يوم جمعة من حزيران. يأتي كل شخص أو عائلة بما يتيسر لهم من الطعام والشراب، وتمد طاولات الطعام في بهو البناية أو باحتها مثلاً، ويدوم ذلك بين الساعتين والثلاثة. يجرى خلالها التعارف وتبادل الأحاديث، وأحياناً تنتهي ببناء صداقات وزيارات متبادلة. وفي كل هذا لا ينسى القاطنون الذهاب والبحث عن كبار السنّ من سكان بناياتهم وإحضارهم للمشاركة في تناول الطعام، إذ إن بعضهم لا يقدر أحياناً على الحركة أو لا علم له بهذا العيد أو موعده.

كان عدد المشاركين في هذا الاحتفال في أول انطلاقته (1999) أقل من عشرة آلاف شخص، ولكن المشاركين فيه اليوم يزيدون عن تسعة ملايين شخص في فرنسا. وهذا العيد اعتمده الاتحاد الأوروبي في عام 2004 لمزاياه الاجتماعية الواضحة، وبلغ عدد الأوروبيين المشاركين فيه عام 2016 نحو 18 مليون شخص في 150 مدينة أوروبية. كما اعتمدته حتى اليوم 36 دولة من بينها كندا وأذربيجان وتركيا.

بقي أن نقول إن هذا العيد كان له عيد سابق في فرنسا هو: عيد القرية. وهو عيد يكون بعد انتهاء العمل من الحصاد. يجتمع أهل القرية على وليمة مشتركة يساهم الجميع في إعدادها. ويتخلله اللعب والرقص والغناء. يبدأ في الظهيرة وينتهي مع مغيب الشمس وقد يدوم لأكثر من ذلك... ولكن القرية اليوم ليست كقرية الأمس، فسكان القرى في أغلبهم ليسوا فلاحين وإنما من طالبي الهدوء والسكينة. لذا لم يعد للقرية من عيد، واستعيض عنه بعيد الجيران، وإن كان أقل بهجة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق