بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 28 مايو 2018

الطوفان... أولى الأساطير


إنها قصة أتراهاسيس، أو حاتو حاسيسو (صولجان الفطنة) بالأكادية، الذي نجا من الطوفان كما ترويها ملحمة الحكيم الكبير أو ملحمة أتراهاسيس. تعود نسختها الأولى إلى أيام السومريين، لكن الرقم التي عثر عليها وتروي هذه الملحمة تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد. وهي قصيدة من نحو 1200 بيت وتتقاطع مع أسطورة جلجامش ومع رواية الطوفان كما جاءت في العهد القديم الذي يُظن أنه كُتب في آخر نسخه بين القرنين الثامن والسادس قبل الميلاد.

تتحدث في جزئها الأول عن انقسام الآلهة في فئتين: فئة دنيا وفئة عليا. الدنيا تعمل وتجهد لتطعم نفسها وتطعم الآلهة العليا التي تعيش على هواها. وفي يوم تضرب الآلهة الدنيا عن العمل وتطالب الآلهة العليا بإيجاد حل لأنها سئمت العمل. هددها الملك الإله إنليل بالقتل، ولكن أخاه إيا (إنكي) يقترح خلق الإنسان لحل هذه المسألة. إنسان يشبه الآلهة إلا أنه غير خالد وعليه أن يعمل ليطعم نفسه وكذلك الآلهة عن طريق القرابين. فصنع الإنسان من غضار أضيف إليه دم أحد الآلهة ونفخت فيه الإلهة الأم ننماه الحياة.

وفي الجزء الثاني يقوم البشر بمهامهم على أكمل وجه، ولكنهم مع هذا يسببون الإزعاج للآلهة العليا بما يحدثونه من جلبة وبتكاثرهم المتزايد. وهذا ما تعبر عنه إحدى الرقم:

لقد تكاثر البشر
والبلاد تخور كما الثيران
والإله منزعج من صخبهم
إنليل يسمع صراخهم
ويقول لكبار الآلهة:
"صوت البشرية يضايقني
لقد حرمت النوم جراء صخبهم

لذا أصابهم إنليل بالأوبئة والمجاعة. ولكن إيا، إله المياه العذبة وحامي البشر، كان يخبر أتراهاسيس الحكيم الذي كان بدوره يقوم بالإجراءات اللازمة لحماية شعبه. وهذا ما زاد في حنق إنليل فقرر إغراق الأرض بالمياه ومنع أخاه إيا من الاتصال بالبشر. ولكنه استطاع الاتصال مع أتراهاسيس في المنام وأوحى له ببناء قارب وبأن يضع عليه عينات من كل الكائنات الحيّة.

تقوم الآلهة العليا بإغراق الأرض حتى ذرى الجبال خلال ستة أيام وسبع ليال لم يتوقف فيها المطر ولا البرق والرعد لدرجة أنه حتى بعض الآلهة خافت فصعدت إلى السماء. وفي اليوم السابع تهدأ العاصفة ويرسو المركب على قمة نيشير. وبعد عشرة أيام يهدأ روع أتراهاسيس ويرسل بحمامة ولكنها تعود، وفي اليوم التالي يرسل بسنونو ولكنه يعود، وفي اليوم الثالث يرسل بغراب فلا يعود لأنه وجد أرضاً انحسرت عنها الماء فبقي عليها. وهنا يطلق أتراهاسيس الكائنات التي كانت على مركبه، وقدم قرباناً عبارة عن طعامه الذي وضعه على قمة جبل وعطّره بالأرز والريحان مما جعل الآلهة تتقاطر لالتهام قربانه.

ولكن إنليل شعر بالانتصار بعودة الأرض إلى ما كانت عليه من هدوء دون أن تفقد الحياة. لذا كافأ إنليل أتراهاسيس بالخلود، وطلب من إيا أن يقصّر في عمر الإنسان وأن يدخل المرض والعقم في حياته حتى يخفف من تكاثرهم. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق