بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 10 يناير 2016

احترام الوقت!




اشتهرت أقوام في الغرب باحترام الوقت، في حين أن شعوباً أخرى لا تكترث بذلك كثيراً. البعض يقول بأن المسألة هي مسألة "تقدم" و"تخلف" وأشياء كثيرة مماثلة. ولكن المسألة ليست وراثية بالتأكيد، أي إن ذلك لا يدخل في بنية مورثات هذا وذاك.
 
أوائل السفن البخارية
المسألة لها أسبابها الموضوعية قبل كل شيء. فقد عرفت أوروبا وأمريكا ثورة (ثورات) تقانية غيرت من طبيعة الحياة. فالنقل مثلاً عرف تطوراً مذهلاً في القرن التاسع عشر، منذ محرك واط البخاري، وأدى ذلك إلى اختراع القاطرات والسكك الحديدة، وقبلها السفن البحرية التي جابت البحار كلها وصنعت لها شبكات من الأقنية مخصصة للنقل في أوروبا وأمريكا بما لا يمكن للعقل تصوره لما بذل فيها من جهد.
Afficher l'image d'origine 
وفي مجال السكك الحديدية، وكل التقلبات التي عرفتها في القرن التاسع عشر، فقد كانت أطوال السكك الحديدية في نهاية القرن التاسع عشر في أوربا كبيرة للغاية مشكلة شبكات تصل المدن والبلدات كلها، تحمل الركاب والمسافرين. كان طول هذه الشبكة في عام 1900 في بريطانيا مثلاً 30 ألف كم و35 ألف كم في فرنسا و 50 ألف كم في ألمانيا و 28 ألف كم في كندا وشبكة هائلة في الولايات المتحدة بطول أكثر من 400 ألف كم. ولتشكيل صورة عن ضخامة هذه الشبكات يمكن أن نأخذ مثلاً الشبكة الفرنسية التي كان طولها يساوي أربع مرات محيط فرنسا!!
والقطارات التي كانت تتحرك على هذه السكك كان عليها أن تلتزم بالدقة بشكل كبير لمنع التصادم ولمتابعة رحلاتها دن أن تكلف الركاب الانتظار والانتظار. مما أدى إلى وضع جداول زمنية لكل قطار يجب احترامها بدقة. ونصبت في كل المحطات ساعات كبيرة تشير إلى الوقت. وجرى في اللغات الأوربية مثال معروف لليوم بأن عليك أن تتحرك بسرعة وانتظام "حتى لا يفوتك القطار". لأن من فاته القطار سيكون عليه انتظار القطار التالي الذي قد يكون بعد ساعات!

الشيء نفسه يمكن تكراره بالنسبة إلى كل وسائل النقل. لذا فقد كان من الطبيعي، بل والضروري، على أن يكون لدى كل "رجل" في مطلع القرن العشرين ساعة في يده أو جيبه، كما كانت كل البيوت تضم ساعة جدارية. وأصبحت صناعة الساعات صناعة كبيرة نظراً للحاجة إليها في التنقل بالدرجة الأولى.

بقي أن نقول إن للتقانة آثار واضحة في الثقافة (بالمعنى الواسع لكلمة ثقافة، أي العادات والممارسات) ومثال القطار واحترام الوقت خير دليل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق