بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 14 أغسطس 2016

بعض من تاريخ الحرير... الحرير الصناعي



انتقلت حرفة تربية دودة الحرير ونسجه إلى أوروبا وبالتحديد إيطالياً منذ القرن الثاني عشر التي أصبحت مركز أوروبا الأهم في هذه الصناعة. كانت منتجاتها تستخدم في الملبس وفي الستائر واللوحات الجدارية المنسوجة وفي الأثاث. ولكن أسعارها كانت مرتفعة فبقيت حكراً على طبقة النبلاء في أوروبا. ومع تزايد الطلب على هذه السلعة في فرنسا، فكّر بعض أثرياء مدينة ليون الفرنسية في إنتاج الحرير في منطقتهم سيما وأن مناخها يساعد على زراعة أشجار التوت وكذلك تربية دودة الحرير. وحظي ذلك بمباركة ملوك فرنسا على مدى القرنين الخامس والسادس عشر. وأصبحت مدينة ليون مركز الحرير في أوروبا، أنتجت ورشاتها الحرير الخفيف بأسعار معقولة. وبالرغم من أن فرنسيين رحلوا إلى بريطانيا وحاولوا تطوير هذه الحرفة هناك، إلا أن ذلك لم ينجح بسبب المناخ بالدرجة الأولى، كما أن هذه المهنة لم تعرف طريقها فعلاً إلى الأمريكيتين.
 
معطف من بروكار الحرير منتصف القرن السادس عشر
بلغ عدد أنوال الحرير في مدينة ليون في القرن السابع عشر 14 ألف نول يدوي. وانتشرت حرف كثيرة حول هذه الصناعة مثل زراعة مساحات واسعة من أشجار التوت، وكذلك غزل خيوط الحرير وصباغتها وأصبحت النشاط الاقتصادي الأهم في القرنين السابع عشر والثامن عشر في منطقة مدينة ليون وبعض المناطق المجاورة. ومع نهاية القرن الثان عشر عرفت صناعة النسيج القائمة على القطن في إنكلترا تطوراً كبيراً فيما عرف ببداية الثورة الصناعية. وهذا ما هدد صناعة الحرير على نحو كبير التي كانت يدوية تماماً حتى منتصف القرن الثامن عشر.
نول جاكار لإنتاج البروكار
ومع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر طوّر المهندس الفرنسي جاكار نولاً آلياً لنسيج البروكار الذي يستخدم خيوط الحرير وبعض الخيوط المذهّبة في حالة القماش النفيس مع الحاجة إلى عدد محدود من العمال. وفي عام 1834 بلغ عدد أنوال جاكار الموجودة في مدينة ليون 1885 نولاً. وهذا ما ساعد على المد بعمر هذه الصناعة حتى مطلع القرن العشرين وإن عرفت تراجعاً كبيراً عما كانت عليه. فقد انتشر وباء في عام 1845 أصاب دودة الحرير وقضى على جزء كبير من ورشات هذه الحرفة، ولم يتمكن العالم الفرنسي باستور من دراسة هذا الوباء وإيجاد حل له قبل عام 1865. تراجعت خلال تلك الفترة صناعة الحرير بسبب الوباء وارتفاع أسعار الحرير مما أدى إلى تراجع هذه الصناعة إضافة إلى افتتاح قناة السويس في تلك الفترة مما سهل وصول الحرير الياباني والصيني إلى أوروبا بأسعار منافسة جداً.
شاردوني مخترع الحرير الصنعي

وكان بين من ساعد باستور في دراسة مرض دودة الحرير المهندس الفرنسي شاردوني الذي بدأ يتساءل عن إمكانية إنتاج الحرير من مواد طبيعية. وهذا ما توصل إليه في عام 1884 بإنتاجه لخيوط حرير صنعية باستخدام السيللوز والكوليديون (مادة لها مظهر الطلاء اللاصق اللماع) لها مواصفات خيوط الحرير الطبيعية من حيث البريق والمتانة والخفة. وهذا ما قضى نهائياً تقريباً على تربية دودة الحرير في أوروبا إلا لبعض الاستعمالات الخاصة. وقد حافظت إيطالياً على ذلك إلى يومنا هذا وهي تقدم 5% من الإنتاج العالمي.

بقي أن نقول إن أصل القماش المعروف في بعض البلدان العربية وخاصة سورية، باسم البروكار هو إيطالي-فرنسي الأصل، بالرغم من وجود ما يسمى النسيج الدمشقي، وهو أمر مختلف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق