بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 21 أغسطس 2016

قواعد اللغة العربية - الكفاف > بَل

بَل
     هي: حرف إضرابٍ عمّا قَبْلَها، وإثباتٍ لِما بعدَها. وتأتي على وجهين:
   ·   الأول: حرف عطف، وذلك إذا تلاها مفرد(1).
     ثمّ إمّا أن يكون الكلام قبلها غلطاً أو نسياناً، فيكون ما بعدها إصلاحاً لهما نحو: [شرب زهيرٌ ماءً بل حليباً] و[اِشربْ ماءً بل حليباً].
     وإما ألاّ يكون غلطاً أو نسياناً، فيكون ما بعدها ضدَّ ما قبلها نحو:
     [لا تصاحبِ الأحمقَ بل العاقلَ] و[لا نزورُ العدوَّ بل الصديقَ].
   ·   والثاني: حرف ابتداء(2)، وذلك إذا تَلَتْها جملة.
     ثمّ إمّا أن يُبطِلَ الذي بعدها الذي قبلها، ويسمّونه: [الإضراب الإبطالي] نحو: [قيل: زيدٌ شجاعٌ، بل هو جبان].
     وإما أن يُترَك ما قبلها على ما هو عليه فلا يُنقَض ولا يُبطَل، بل يُنتَقَل إلى غرضٍ آخر غيرِه، ويسمّونه: [الإضراب الانتقالي] نحو: [إنّ زهيراً جاهل. بل تشغَلنا شؤونُنا].
     حُكْم: قد تُزاد [لا] قبل [بل] للتوكيد، نحو: [خالدٌ متعلّمٌ، لا بل عالم] و[ما ودّعت زهيراً يوم سفرِه، لا بل ودّعت الأُنس والطمأنينة].
*        *        *

نماذج فصيحة من استعمال [بل]
   ·   ]لَبِثتُ يوماً أو بعضَ يوم... بل لبِثتَ مئةَ عام[ (البقرة 2/259)
     [بل]: هنا حرف ابتداء لدخولها على جملة [لبثتَ]. وكذلك هي كلما دخلت على جملة. ثم هاهنا إضراب يسميه النحاة إضراباً إبطالياً. وإنما سمَّوه بذلك لأنّ ما بعدها وهو: [لبثتَ مئة عام] قد أَبطَل ونَقَض ما قبلها وهو: [لبثتُ يوماً].
   ·   ]أم يقولون به جِنَّة بل جاءهم بالحقّ[ (المؤمنون 23/70)
     ما في هذه الآية، يطابق ما في الآية السابقة. فـ [بل] حرف ابتداء لدخولها على جملة [جاء]، والإضراب هاهنا هو الإضراب الذي يسميه النحاة إضراباً إبطالياً. لأنّ ما بعد [بل] وهو: [جاءهم بالحقّ]، يُبطِل ويَنقض ما قبلها وهو قولهم [به جِنَّة].
   ·   ]وقالوا اتَّخذ الرحمانُ ولداً سبحانه بل عبادٌ مُكْرَمون[ (الأنبياء 21/26)
     لا بدّ قبل البحث في [بل]، وما قبلها وما بعدها، من الوقوف عند كلمة [عبادٌ] فإنّها خبر لمبتدأ محذوف تقديره [هم]، أي: [هم عبادٌ]. ولا وجه لإعرابٍ آخر يستقيم معه الكلام. فهي خبرٌ، ليس غير. وإنما عرضنا لإعرابها لنُبيِّن أنّ ما بعد [بل] هو جملة لا مفرد.
     وإذ قد كان الأمر كذلك، فإنّ [بل] إذاً حرف ابتداء. وكذلك تكون، كلما دخلت على جملة. ثم إنّ هاهنا إضراباً إبطالياً، لأنّ مابعد [بل] وهو: [هم عبادٌ مكرمون]، يُبطِل ويَنقض ما قبلها وهو قولهم [اتّخذ الرحمانُ ولداً].
   ·   ]ولا تحسبنّ الذين قُتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياءٌ عند ربّهم يرزقون[
(آل عمران 3/169)
     عمَدنا إلى إيراد هذه الآية بعد آيةِ: ]وقالوا اتَّخذ الرحمانُ ولداً... [ لما فيهما من التطابق في الأحكام. فـ [أحياءٌ] هنا، خبر - بالضرورة - لمبتدأ محذوف تقديره: [هم]، أي: [هم أحياءٌ]. والذي بعد [بل] إذاً، هو جملة لا مفرد.
     ومن ثمّ تكون [بل] حرف ابتداء لدخولها على جملة، ويكون الإضراب في الآية إضراباً إبطاليّاً، لأنّ ما بعد [بل] وهو: [هم أحياءٌ]، يُبطِل ويَنقض ما قبلها وهو [حُسبان القتلى في سبيل الله أمواتاً].
   ·   ]قد أفلح مَن تزكّى وذكر اسم ربّه فصلّى بل تُؤثرون الحياة الدنيا[ 
(الأعلى 87/14-16)
     [بل]: في الآية حرف ابتداء، لدخولها على جملة هي [تؤثرون]. لكنّ الإضراب هاهنا ليس إضراباً إبطالياً، بل هو الإضراب الذي يسمّيه النحاة: [إضراباً انتقاليّاً]. وبيان ذلك أنّ ما بعد [بل] وهو: [تؤثرون الحياة الدنيا] لم يَنقُض ولم يُبطِل الذي قبلها وهو: [قد أفلح مَن تزكّى... فصلّى] بل تركه وأبقاه على ما هو عليه، ثم انتقل إلى غرضٍ آخر غيره هو: [إيثار الحياة الدنيا]. ومن هنا أن النحاة يسمّون هذا النوع من الإضراب: إضراباً انتقاليّاً.
   ·   ]ولدينا كتابٌ ينطق بالحقّ وهم لا يُظلمون بل قلوبُهم في غَمرة[  
(المؤمنون 23/62-63)
     [بل]: هاهنا على المنهاج، حرف ابتداء، لدخولها على جملةٍ، هي: [قلوبهم في غمرة]. وأما الإضراب فإضرابٌ انتقاليّ. وبيان ذلك أنّ ما بعد [بل] وهو: [قلوبُهم في غَمرة] لم يَنقُض ولم يُبطِل الذي قبلها وهو: [لدينا كتابٌ ينطق بالحقّ...] بل تركه وأبقاه على ما هو عليه، ثم انتقل إلى غرضٍ آخر غيره، وهو أنّ: [قلوبُهم في غَمرة]، ومن هنا أنْ قلنا: الإضراب في الآية إضراب انتقاليّ.
   ·   قال الشاعر (المغني /120):
وما هجَرْتُكِ، لا، بل زادني شَغَفاً       هَجْرٌ وبُعْدٌ تراخَىْ لا إِلى أَجَلِ
     [بل] في البيت حرف ابتداء، لدخولها على جملة، هي: [زاد...]. ويلاحَظ في البيت زيادة [لا] قبل [بل]. وإنما يكون ذلك لتوكيد ما قبلها.
   ·   وقال الآخر (المغني /120):
وَجْهُك البَدْرُ، لا، بل الشمسُ لو لم      يُقْضَ للشمسِ كَسْفَةٌ أو أُفُولُ
     في البيت مسألتان:
     الأولى: أنّ [بل] في البيت حرف عطف، إذ دخلت على اسم مفرد هو [الشمسُ] فعطفته على [البدرُ]، وكذلك هي كلما دخلت على اسم. ومتى كانت حرف عطف، كان الكلام قبلها كأنه غلطٌ أو نسيانٌ، وكان ما بعدها إصلاحاً لهذا الغلط والنسيان.
     والثانية: أنّ [لا] زِيدَت قبل [بل]، وإنما يكون ذلك لتوكيد ما قبلها.

العودة إلى الأدوات

2- المراد من تسميتها ابتدائية، أنّ لها صدر الكلام، لا أنّ بعدها مبتدأً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق