بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 10 سبتمبر 2017

خطأ الفيزياء الكبير

تضع الفيزياء قوانينها وفقاً لمبادئها ومفاهيمها وقياساتها وعملياتها في الرصد بكل ما يتصل بالمنهج العلمي. وهذه القوانين النظرية تعتمد نتيجة توافقها مع القياس والتطبيق العملي. ولكن هذه القوانين لا تتوافق أحياناً والأمرالواقع. تعرض هذه الورقة حالة واقعة اليوم.

ففي مطلع القرن العشرين صاغ آينشتين نظرية النسبية العامة التي تمثل نموذجاً للكون وتطوره وحركته. وأدى أول نموذج صاغه آينشتين في هذه النظرية إلى توقع أن الكون في حالة تمدد (توسع) دائمة، وهو أمر لم يقبله آينشتين، مما اضطره لإضافة عامل يتعلق فيما سماه آينشتين بالطاقة السوداء أو طاقة الفراغ (الطاقة المجهولة المنشأ) مما جعل الكون بحسب نموذجه المعدّل ثابتاً. ولكن في عام 1929 تم تأكيد أن الكون يتوسع عن طريق الرصد، مما جعل آينشتين يعيد نموذجه إلى ما كان عليه في الأصل متخلياً عن فكرة الطاقة السوداء، وقال بأن هذه الإضافة كانت أكبر خطأ في حياته!

ولكن فكرة طاقة الفراغ عادت إلى المسرح بعد ستين سنة من تخلي آينشتين عنها. فقد بيّن عدد من علماء فيزياء الفلك بوضوح أن الكون يتمدد ويتسارع في ذلك، أي أن سرعة تمدده متزايدة، ولتفسير ذلك استحضر فيزيائيو الفلك طاقة الفراغ هذه، ونال بنتيجة ذلك ثلاثة فيزيائين أمريكيين جائزة نوبل للفيزياء عام  2011 وهم: براين شميت وسول بيرلموتر وآدام رايس.

من أين تأتي طاقة الفراغ هذه؟ هنا يتقدم الميكانيك الكمومي لتفسير المسألة.  وبتبسيط، يقارب المغالطة، يمكن أن نقول إنه في هذه الميكانيك لا يمكن لجسم أن يكون ثابتاً ثباتاً مطلقاً وسرعته معدومة تماماً في الآن نفسه، يمكن لأحدهما أن يكون كذلك ولكن ليس للإثنين معاً. أي أن المصباح المتدلي من سقف غرفتنا لا يمكن أن يكون ثابتاً في مكانه من دون أن يتمدد سلك الحامل أو يتقلص أو أن ينوس المصباح ولو بقدر ما، أي أن هناك حركة ولو بمقدار بسيط للغاية، أي هناك طاقة كامنة أو طاقة حركية بسيطة تتشكل باستمرار. وأن هذا المبدأ يسري على كل مكونات الكون بما في ذلك الحقول الكهربائية والمغناطيسية. وهذه الحركة البسيطة اللامحسوسة هي التي يتولد عنها الطاقة المسماة بطاقة الفراغ.

قاس الفيزيائيون السابقون طاقة الفراغ، وحددوا ذلك تجريبياً وتبيّن أن طاقة الفراغ أو الطاقة السوداء تشكل 73% من الطاقة الموجودة في الكون. وأشارت هذه التجارب إلى قيم متناهية في الصغر بمقدار 100 جول للكيلومتر المكعب الواحد  (أقل من 0.03 وات ساعي). ولكن حسابات الفيزياء الكمومية تشير إلى أضعاف مضاعفة بأكثر من مليارات المرات مما تعطيه القياسات! وهنا تكمن معضلة عويصة لا نعرف حلها حتى اليوم. سمى الفيزيائيون هذا الفارق بـ "كارثة الفراغ". هل الخطأ في الميكانيك الكمومي؟ أو في فهمنا للمسألة؟ أو أشياء أخرى؟ ... وهذا يعني أنه لا يزال المجهول بأكثر من المعلوم، وهذا ربما لخير الإنسان بجعله دافعاً لمتابعة البحث!


ففي إحدى الروايات يشفق الإله العلي القدير على باحث أمضى حياته محاولاً فهم أمر ما، فيقول الإله لهذا الباحث: سأشرح لك الأمر وأريحك مما أنت فيه. فما كان من الباحث إلا أن صرخ قائلاً: ولكن يا ربي، إن شرحت لي الأمر فماذا سأفعل بعد ذلك، سيقتلني الضجر!

هناك تعليق واحد:

  1. و تللك هي علًة وجود الانسان ...المعرفة و العلم و الشغف و الفضول

    ردحذف