بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

ذكاء الحيوانات... اختبار المرآة

لا يوجد حتى اليوم اتفاق عالمي على تعريف الذكاء، لبذكاء المجرد. ولكن يمكن تعريف السلوك الذكي وقياسه على أنه درجة النجاح والسرعة في حل المسائل أو مواجهة الصعوبات التي توضع أمام المختبَر في بيئته الطبيعية والاجتماعية سواء كان إنساناً أم حيواناً. ولكن هناك فارق بين "الذكاء" الذي هو مفهوم مجرد" و"السلوك الذكي" الذي يمكن رصده أو مراقبته وقياسه. والذكاء ليس بخاصية بيولوجية ترتلط بحجم الدماغ مثلاً ولكنه تجريد ذهني مؤسس على أحكام قيمة بخصوص سلوك كائن ما. وكلما كانت نتائج القياس أفضل أثناء الاختبارات زادت "درجة" الذكاء. فالأمر اتفاقي إذن وليس مطلقاً.

فللمراقب أن يقول بأن سلوك هذا الكائن أو ذاك يتصف بالذكاء بناء على ما شاهد من سلوك يتصف بالذكاء بالنسبة له. ولكننا اليوم نتحدث عن القدرة "الإدراكية" للحيوانات بدلاً من الذكاء، ودراسة ذلك أصبحت اليوم فرعاً علمياً تُدرس فيه هذه القدرة. وقياس مثل تلك القدرة قد يكون سهلاً ومتاحاً لدى الإنسان إلا أن الأمر أكثر تعقيداً وصعوبة عندما يتعلق الأمر بالحيوان. فلدى الإنسان هناك ترابط كبير عموماً بين الاختبار المستخدم ونتائج الأفراد في هذا الاختبار، وهو ترابط يظهر في وقائع أخرى من الحياة اليومية تؤكد نتائج الاختبار. وهذا لا ينطبق بالضرورة على الحيوانات، فتارة نرى أن الكلب يبدي ذكاء تجاه أمر ما ولكنه يبدي غباء إزاء أمر بسيط آخر.
قرد البونوبو ابن عم الإنسان

من بين الاختبارات التي تدرس قدرة الحيوانات هذه  "اختبار المرآة" الذي يبحث عن إدراك الحيوانات لذاتها. حيث يترك الحيوان يمر أمام مرآة، بعضها يخاف مما يراه ويهرب، أي أنه لا يدرك ذاته، البعض يحاول البحث خلف المرآة لعله يجد الذي يراه. وفي مرحلة ثانية توضع بقعة طلاء فاقعة على منطقة لا يراها الحيوان من تلقاء نفسه، مثل المنطقة بين العينين. ثم يؤتى به أمام المرآة. البعض يصوّب تركيزه على هذه الإضافة الجديدة ويحاول لمسها أو حكها أو ما شابه مما يدل على أنه يعي أن شيئاً ما ألصق به وليس منه، ومجرد وعي الذات هذا يعني أنه يمتمتع بقدرة إدراكية. نجح في هذا الاختبار كل من الفأر والفيل وبعض أنواع القردة (مثل قرد البونوبو المماثل في مورثاته للإنسان بنسبة 99.4%) والشمبانزي والخنزير الداجن والدلفين ونوع من الحيتان والغراب والعقعق (طائر جميل بحجم العصفور يتغذى على الحشرات). بعض الحيوانات لا تطيق المرآة، مثل بعض أنواع القردة الكبيرة، لذا استعيض عن المرآة بشاشة وآلة تصوير فيديوية. بعض هذه الحيوانات يتصف بأشياء كثيرة نسميها ذكية مثل استعماله أدوات في حياته وبحثه عن قوته كما هو حال الغراب والقردة التي عرف بعضها استعمال الأدوات قبل الإنسان، ولكن هذا قد لا ينطبق على الجميع كالدلفين مثلاً.

يسمى هذا الاختبار باسم مصممه الأمريكي غوردون غالوب وضعه عام 1970، وهو اختبار انتقد من نواح مختلفة. أولها اعتماده على حاسة وحيدة هي الرؤية، وليس الشم مثلاً الذي يعتمد عليه الكلب أكثر مما يعتمد على الرؤية. كما أن هناك حيوانات لا تتوفر لها حاسة الرؤية مثل الخلد والخفاش، كما أن هناك طيوراً أظهرت وعياً بجسمها بطريقة ما عند وضعها أمام مرآة ولكنها لم تتمكن أبداً من رؤية بقعة الطلاء التي وضعت في أسفل الحنجرة. أضف إلى ذلك أن المرآة تخيف بعض الحيوانات وخاصة الطيور التي كانت تصطدم بها مذعورة... ومع هذا لا يزال هذا الاختبار بين أهم الاختبارات لقياس قوة الإدراك لدى الحيوانات ... تبقى المشكلة أننا نحاول قياس أمر ما بما يعنيه لنا دون أن يعني أنه يقابل بالمطلق ما نبحث عنه!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق