بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 12 سبتمبر 2017

الدراسات والنظريات...البجعة والخلاصات المريبة

تكثر الدراسات التي تجعلنا نعتقد بأن نتائجها هي بمثابة نظرية تقول هذه هي الأسباب وتلك هي النتائج. وهذه الدراسات تشمل ميادين كثيرة من التعليم إلى التعلم إلى الصحة وغير ذلك. وإن كان لمثل هذه الدراسات أن تؤخذ بعين الاعتبار فعلى أساس أن هناك معامل ارتباط بين السبب الظاهر والأثر الذي تصل إليه الدراسة، وذلك بعد التمحيص جيداً في موضوع الدراسة ومصداقية قرائنها وشمولها.

ففي دراسة أعدتها جهة بريطانية عن تأثير العيش بالقرب من خطوط التوتر العالي خلصت فيها إلى أن المرض يكثر لدى الناس الذين يعيشون بقرب هذه الخطوط. فهل التوتر العالي هو المسؤول عن المرض؟ ليس الأمر بالواضح جداً. إذ أن من يعيش في هذه المناطق هم في الأغلب أناس فقراء لا إمكانية لديهم لتغيير سكنهم أو الحصول على سكن برخص السكن الذي يقيمون فيه. ومن المعروف أن الفقر والمرض مترابطان ببعضهما جداً. فمن المسؤول إذن عن مرض هؤلاء الناس، الفقر أم التوتر العالي؟

كما تشير الدراسات العالمية إلى أن نصف حوادث السيارات تقع في الثلاثين كيلومتر الأولى، والسير لأبعد من ذلك يجري في النصف الباقي. وخلصت نسبة كبيرة من هذه الدراسات إلى أن السبب هو التركيز الضعيف للسائقين المشغولين بهموم عملهم الذي يقصدونه. ولكن هذه الدراسات تنسى أن معظم مسافات السير لأصحاب السيارات تكون في دائرة الثلاثين كيلومتراً ومن ثم فإنه من الطبيعي أن تكون نسبة 50% من حوادث السير هي في هذا النطاق من المسافات.

دراسات أخرى تتعلق بالصحة مثل تلك التي تقول بأن الجري الخفيف يساعد من هم في الستين من العمر على بلوغ السبعين وهم بلياقة جيدة. ومثل هذه النتيجة لا تحتاج إلى دراسة، فمن كان له إمكانية الجري الخفيف وهو في الستين من العمر يعني أنه يتمتع بصحة جيدة، ومتابعته للجري لن يكون أثرها في الأغلب الأعم إلا حسنة.

كما تتحدث بعض الدراسات عن الوسطي، وسطي العمر أو وسطي الدخل أو وسطي البقاء على قيد الحياة لمن يعانون من مرض خبيث ما. ومثل هذا الوسطي يجب أن يؤخذ ويقرأ بكثير من الحذر، فهو لا يعني أنه الأمر العّام، وهو ليس إلا مؤشر لا أكثر ولا ينطبق على كل الحالات. فتموسط الدخل المرتفع في بلد ما لا يعني أن كل سكان هذا البلد موفورو النعمة، بل ربما هناك أغنياء كثر وفقراء أكثر في الطرف الآخر.
وحتى يكون لمثل هذه الدراسات قوة النظرية فيجب أن تبنى على الكثيرمن المعطيات الجيدة (المستقاة ضمن ظروف متنوعة وصحيحة)، وأن تتمتع بقوة التفسير بتحديدها لعوامل الترابط بين الأثر والسبب، كما عليها أن تقدم معلومات إحصائية متكاملة مثل الوسطي ومقدار التشتت حول هذا الوسطي والقيم الكبرى والصغرى الخ.


خلاصة القول: يجب قراءة الدراسات بكثير من العناية والتمحيص حتى لا نقع في مطب البجعة التي اشتهر عنها أنها حيث تقيم تكثر الولادات، فشاع الاعتقاد بأنها تجلب الأطفال! والتفسير هو أن البجعة تبني لنفسها عشاً في الأرياف ولا تحب المدينة، وفي الأرياف تزيد الولادات عن المدينة، هذا كل ما هنالك وليس في الأمر لا نظرية ولا من يحزنون! 

روى الهزلي الفرنسي كولوش، صاحب مطاعم المحبة، أن اكتشفت السلطات في أواخر سبعينيات القرن الماضي أن هناك علاقة قوية بين تناول الكحول وحوادث السير. لذا وضع قانون يعاقب السائقين مرتكبي الحوادث وسحب رخصة السواقة منهم على الأقل إذا ثبت تأثرهم بالكحول قبل وقوع الحادث. ولكن هؤلاء لا يمثلون سوى ثلث مرتكبي حوادث السير بحسب دراسة ظهرت في تلك الأيام، فلماذا لا نعاقب الثلثين الباقيين بمثل ما نعاقب الثلث الأول بسحب رخصة السواقة!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق