بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 24 مارس 2017

فلسفة الأخلاق... قصة البحارة الأربعة

بينما كان أربعة بحارة في طريقهم إلى أستراليا على متن سفينة صغيرة بدأت رحلتها من بريطانيا، هبت عاصفة قوية حطمتها، فلجأ البحارة الأربعة إلى قارب النجاة ووضعوا فيه ما تمكنوا من طعام. البحارة هم: قبطان السفينة ومعاونه وبحار ثالث وبحار صغير للخدمة وتعلم المهنة. حدث ذلك في الخامس من تموز عام 1884 وكانوا على مسافة أكثر من ألف كيلومتر من اليابسة. نفذ طعامهم في 17 تموز، لم يتمكنوا من صيد أية سمكة ولم تسقط أية قطرة مطر خلال ذلك. كانوا يعرفون أن شرب مياه البحر ضار جداً فامتنعوا عنه، إلا أن صغيرهم فعل ذلك فمرض. ولم تمر أية سفينة، ولا أمل في الأفق. فما العمل؟

بدأ الأربعة بمناقشة المسألة، قال قبطان السفينة بأن عليهم أن يجروا قرعة يفتدي من تقع عليه أصحابه بجسده لعلهم ينجون. في يوم 23 تموز دخل صغير البحارة المريض في غيبوبة، ناقش الثلاثة مسألة أن يكون هو الضحية. فهو مريض ولا أمل في شفائه، ولا زوجة له ولا أطفال ينتظرونه، على العكس منهم. وافق القبطان ومعاونه على فكرة قتل البحار الصغير، لكن البحار الثالث لم يوافق، وعاد لمناقشة فكرة القرعة. في المساء قام القبطان بمساعدة معاونه بقتل البحار الصغير. وهكذا تمكن الثلاثة من متابعة الرحلة لعل وعسى يكونوا من الناجين. وبالفعل تمر بهم سفينة ألمانية يوم 29 تموز، فتحملهم معها حتى بريطانيا لتتركهم في ميناء فالموث في السادس من أيلول وتتابع طريقها إلى ألمانيا.
شاهدة قبر الصبي البحار (ريتشارد باركر)

وفي الميناء كان عليهم تقديم تقرير عن رحلتهم وعن سفينتهم التي غرقت وكان عليهم تسليمها إلى صاحبها في أستراليا. بدأ التحقيق في الأمر وروى القبطان القصة بكاملها. وهذا ما جعل القبطان ومعاونه يمثلان أمام المحكمة بتهمة القتل العمد. أما البحار الثالث فهو لم يشارك في القتل، لذا أطلق سراحه وعاد إلى بيته.

ومن بين ما كتبه القبطان عن حادثة قتل البحار الصغير: أؤكد لكم أني لن أنسى مطلقاً منظر مرافقيَّ التعسين حول تلك الوليمة اللئيمة حيث انقضضنا على الصغير كذئاب مسعورة... لم نكن بالتأكيد بكامل قوانا العقلية.

حكمهم القاضي بالإعدام مع وقف التنفيذ. وجاء في حيثيات قراره ... على القبطان أن يكون القدوة والمثل، وعليه أن يفتدي زملاءه من البحارة، كما على البحارة أن يفتدوا المسافرين... وهذا واجب لا يمكن لأي شخص أن يتملص منه كما فعل القبطان ومعاونه هنا.

هل كان قرار البحارين، القبطان ومساعده، بقتل البحار الصبي قراراً يمكن تأييده أو التعاطف معه؟ كيف كان لهم أن يتأكدوا بأن الصبي لن يشفى من مرضه، وعندها كان عليهم أن يحتكموا إلى القرعة؟ وإذا قبلنا قرارهم وبأنه لم يكن للصبي من فرصة في الشفاء، ألا نعطي بذلك لمن يشاء الحق في تقرير من يحيا ومن يموت اعتباطاً؟ ... لكم أن تتفلسفوا حول هذه المسألة.

للعلم، خفضت سلطات القضاء لاحقاً الحكم إلى السجن لبضعة أشهر، ومع هذا فقد كان شعور القبطان ومعاونه بالظلم كبيراً!


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق