بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 17 مارس 2017

فلسفة الأخلاق... في الحسن والسيئ

كيف يمكن أن نحكم على أمر ما أو فعل ما بأنه صحيح أو خاطئ، أو بأنه حسن أو سيئ؟ فتحديد الصواب والخطأ سيقود إلى معرفة ما الذي يجب على الناس فعله وما الذي يجب تجنبه. يمكن القول إن المفيد للناس هو حسن والضار هو سيئ. ولكن ما هو المفيد وما هو الضار؟ أول المشاكل هو أن الناس لن يتفقوا جميعاً، وبإطلاق، على كل ما هو حسن وما هو سيئ. فبعض المجتمعات ترى في تعدد الزوجات أمراً سيئاً، والبعض الأخرى لا تراه كذلك. ومعظم المجتمعات تكره زواج المرأة بأكثر من رجل، ولكن هناك مجتمعات تفعل ذلك، وإن كانت قليلة. وهناك من يقول هذا نبيذ حسن المذاق وأن النبيذ مفيد، وهذا مرفوض تماماً بالنسبة لجماعة أخرى. وحتى ضمن الجماعة الواحدة، فهناك من يستسيغ فعل ما وهناك من يعافه. هناك من يأكل اللحوم وهناك النباتيون! والأمر يتعلق بالزمن والعقلية السائدة. فالعبودية كانت أمراً عادياً فيما مضى، وهي تحارب بشدة اليوم.

وهكذا فإن الحسن والسيئ يعود معناهما إلى ما يمتلك كل فرد تقريباً من صورة عنهما. وهي من أولى الصور وأبسطها التي بنيت عليها أفكار مركبة، وهذه البساطة تجعلهما في الواقع عصيّان على التحليل أو التعريف. فعند سؤال أي فرد بما يقصده بكلمة "حسن" فإن الجواب لن يكون من النوع الذي نحصل عليه عند السؤال عن درجة الحرارة التي يمكن معرفتها بسهولة ودقة، والأمر هنا مختلف لتعلقه بمشاعر وتصورات ستمتزج مع التعريف وتصبح جزءاً منه. وهي تختلف حتى عن الإحساس بالألم الذي يمكن أن يلقى وصفاً مشتركاً بين الناس، مع فروق في درجات تقدير الألم مثلاً.

والأمر في الواقع هو كما جاء على لسان هاملت في مسرحية شكسبير "هاملت" بأنه "لا يوجد شيء هو إما حسن أو سيء ولكن التفكير يجعله هكذا" أي أن المسألة تقديرية. تكمن المشكلة في أنه لا يمكن تعريف كلمتي السيئ والحسن دون استعمالهما في التعريف نفسه مما يجعل التعريف ناقصاً على حد قول الفيلسوف البريطاني برتراند راسل. وفي كل الأحوال فإن أية تعاريف للحسن والسيئ ستبقى محدودة بالتجربة الإنسانية، مجتمعات وأفراداً، ومن ثم فلا يمكنها أن تشمل كل ما هو حسن في هذا العالم أو عكسه.

هناك من يقول بأن الحياة تعمل بحيث يكون البقاء للأنسب أو للأكثر ملائمة لهذه الحياة، ولكن لا شيء يؤكد ذلك. فالمسار الذي تسير وفقه الطبيعة لا علاقة له بما هو حسن أو سيئ. فهل الكائنات التي انقرضت كانت سيئة أو حسنة؟ ولو أن كائنات أخرى قضت علينا نتيجة التطور، لحكمنا (إن كان بإمكاننا فعل ذلك) على فعلها بأنه سيئ.


المهم أن حياتنا في مجتمع واحد تتطلب أن تتصف أعمالنا بالقبول (حسنة)، وألا تكون مرفوضة على الأقل (سيئة)، فكيف نفعل ذلك؟ ... للحديث تتمة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق