بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 27 مارس 2017

الأنف... الطويل ...والأفطس ...وأنف كليوباترا

الأنف في بنيته هو هيكل عظمي غضروفي يحيط به نسيج ليفي، يحدد فتحتين تمرران الهواء في الشهيق والزفير وتسمى كل منهما بالمنخار أو الخيشوم. وظيفته الأولى تكييف الهواء قبل وصوله إلى الرئتين، من تدفئة أو تبريد وترطيب وتنقية. وهو عضو الشم، وكذلك أداة تساهم في التصويت عند الكلام. والمنخاران موجودان لدى كل الثدييات. أما بروز الأنف فهو أكثر ما يظهر لدى الإنسان وقد يكون مرد ذلك انتصاب الإنسان وتنقله سيراً على قدميه، مما يستدعي حماية المنخرين من الشمس والبرد.

وهذا البروز جعل له مكانة في كثير من التصورات بتعبيراتها اللغوية. فيقال عن فلان بأن أنفه قد حميَّ: أي اشتد غضبه وغيظه. وأن رجلاً ما هو "حميُّ الأنف": أي يأنف أن يضام. ومن شمخ أنفه فهو متكبر متعجرف، ومن فعل شيئاً رغم أنفه فهو قد ذلّ، ومن مات حتف أنفه فقد مات ميتة طبيعية. ومن يتبع أنفه، أي يسير بحسب الرائحة. وأنف القوم للإشارة إلى أنه سيد القوم.

والأنف يقع في مركز الوجه ويمثل علامة فارقة بمظهره. ويُشغل بهذا المنظر الناس. فكل النساء تتمنى أنف كليوباترا، وكل الرجال يتمنون الأنف الروماني الدقيق والصارم. وأعطي لشكل الأنف أسماء نجدها في كل اللغات. وفي العربية مثلاً نتحدث عن الأنف الأفطس والمعقوف والمرفوع والروماني والإغريقي والأشم واليهودي وغير ذلك. وربط الناس بين شكل الأنف وبعض الصفات، ولكن هذا لا يتعدى كونه مجرد ربط شكلاني بلا أي أساس علمي. فالأنف الأفطس هو السائد في أفريقيا، وليس من المعقول أن يتشابه الأفارقة ببعض صفاتهم الشخصية بسبب أنوفهم!.. هذا طبعاً إذا استثنينا أنف بنيوكيو الذي يزداد طولاً مع الكذب!


وشكل الأنف يخضع في الواقع لعوامل الطبيعة من حرارة ورطوبة التي عاش فيها أجدادنا، وكذلك ما نحمله من مورثات. فقد أجرت جامعة بنسلفانيا دراسة على 476 متطوعاً من أصول مختلفة تعود إلى جنوب شرقي آسيا وأفريقيا الغربية وأوروبا الشمالية. لكل فرد من هذه العينة أنف مختلف من حيث الشكل وطول القصبة والعرض ومساحة المنخارين وارتفاع قاعدة الأنف عن الشفة العليا. خلصت الدراسة إلى أن أنف المرأة وسطياً هو أصغر من أنف الرجل بصرف النظر عن العرق. والنتيجة الثانية هي أن هناك فروقاً بين المجموعات المدروسة بخصوص الأنف من حيث عرض قاعدة الأنف وطول الخشم. وهذا يتعلق بأجداد أصحاب هذه الأنوف والمناطق التي كانوا يعيشون فيها. فأصحاب الأنوف العريضة القاعدة هي لمن كان أجدادهم يعيشون في مناطق حارة ورطبة، وهي أعرض من هؤلاء الذين كان أجدادهم يعيشون في مناطق باردة وجافة. وهذه الفروقات هي أكبر من أن تعزى لمجرد تغيّر في المورثات، وإنما هي بسبب التكيف اللازم مع المناخ. فمن يعيش في المناطق الباردة ستضيق خياشيمه لكي يتمكن من تدفئة الهواء قبل وصوله إلى الرئتين، وهو أمر لا يحتاجه من يعيش في المناطق الحارة، بل على العكس. أما الوراثة فيكون دورها عن طريق الأبوين واختيارهما لبعضهما الذي لا يخضع فيما يبدو لقانون من قوانين الطبيعة!

بقي أن نقول إن الناس يشغلون بشكل ومظهر أنوفهم، وجراحة الأنف التجميلية مصدر مالي هام للمشافي الطبية. أما الفرنسي الشهير بليز باسكال، فقال: لو أن أنف كليوباترا كان أقصر بقليل عما كان لاختلف وجه الأرض بالكامل... ربما، أو أنه كان يريد الإشارة إلى هشاشة المجتمعات البشرية! 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق