بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 2 مايو 2017

فلسفة الأخلاق... القواعد

السامرائي الطيّب لفان غوغ
هدف فلسفة الأخلاق هو تحديد كيفية التصرف عملياً إزاء مسألة طارئة، أو في الحياة عموماً، على نحو نقبله جميعاً من حيث المبدأ. فهل من قاعدة أو جملة من القواعد يمكن باتباعها تحقيق هذا الهدف؟ في الواقع لا توجد مثل هذه القواعد القاطعة وإنما هناك جملة من المبادئ التي تنير طريق التصرف القويم. فغير الوصايا العشر التي جاءت في الأديان السماوية، التي تحض على فعل الخير والامتناع عن الأذيَة أو الشر، هناك مبادئ أو قواعد وضعها مفكرون أو فلاسفة من أهمها القاعدة المسماة بـ "القاعدة الذهبيّة" التي تقول: عامل الآخرين كما تريدهم أن يعاملوك، هذه القاعدة تعود في أصولها إلى أول أتباع بوذا بصيغة "لا تجرح الآخرين بطريقة تجدها أنت نفسك جارحة. أو بصيغتها الكونفوشية "ما لا تتمناه لنفسك، لا تجعله للآخرين"، وفي الهندوسية: لا تتصرف مع الآخرين بما لا تريدهم أن يتصرفوه معك. وهذا المبدأ/القاعدة يدعونا للتفكير بالتصرف من منطلق أننا جميعاً متساوون وأن الأفعال التي نقوم بها سترتد علينا جميعاً بالقدر نفسه.

قاعدة أخرى تقول بأن التصرف السليم هو التصرف العقلاني، وأن العقلانية تدعو إلى التروي وعدم المبالغة. وهي تقول بأن "خير الأمور أوسطها"، فالشجاعة ليست بإلقاء النفس إلى التهلكة، فهذا تهور. الشجاعة هي رباطة الجأش دون تهور. والإفراط في الكرم هو تبذير، والتقتير هو بخل. أما الكرم فهو وسط بين الإثنين، لا تبذير ولا تقتير. ومبدأ الوسطية هذا يعود إلى الفيلسوف الإغريقي أرسطو، ناقشه بإسهاب في رسائل أعدها لابنه نيقوماكوس، يرشده فيها إلى الحياة.

طبعاً هناك حالات لا تفيد فيها هاتان القاعدتان كما في حالة سائق الشاحنة. وهنا يأتي دور مبدأ النفعية لصاحبه جيرمي بنتام، والقائل بأن فعلاً ما هو فعل أخلاقي إذا كان يعود بالمتعة على أكبر عدد من الناس، وأفضل شيء أن يعود بذلك على كل الناس. هذا المبدأ قديم جداً أعاد بنتام إحياءه وطوره ستيورات ميل باستعمال كلمة السعادة أو الفائدة. لكن تطبيق هذا المبدأ ليس ممكنناً أيضاً في كل الأحوال. ولكنه يبقى من أكثر المبادئ استخداماً وخاصة في الحالات الجماعية مثل حالة بناء مصنع في بلدة ما علماً بأن هذا المصنع قد يسبب تلوثاً في الوسط المحيط به ولكنه من جانب آخر يقدم فرص عمل لأبناء البلدة.

قاعدة أخرى تقول بأن علينا عند قيامنا بأي فعل أن نتصرف وكأن فعلنا هذا سيكون مثالاً للبشرية تحتذيه، ولكن بشرط أن نحترم كرامة الإنسان أولاً وقبل كل شيء. صاحب هذه القاعدة هو الفيلسوف الألماني كانط، ويُعرف مبدأه هذا بمبدأ "الواجب". أي أن علينا أن نتصرف أخلاقياً باعتبار أن ذلك واجبٌ، ليس لفائدة ترتجى وإنما لأن ذلك واجب ليس إلا. هناك من يضع هذا المبدأ بصيغ عملية من نمط: لكي يكون أي فعل أو تصرف نقوم به ويخص الآخرين هو فعل أخلاقي فعلينا أن نكون مستعدين لفعله علانية وعلى رؤوس الأشهاد أو للجهر به بدون مواربة. وبالرغم ما يحمله هذا المبدأ من قوة أخلاقية ووجدانية إلا أن تطبيقه ليس بالممكن دائماً. فالصدق بحسب هذا المبدأ واجب، ويجب أن نكون دائماً صادقين. إذن هل على الطبيب أن يخبر مريضه بأحواله حتى لو كانت سيئة وميؤوساً منها؟

مبدأ خامس يقول بالعدل، والعدل سيّد الأخلاق والعدل رأس المُلك... وهذا يحتاج إلى مقال لوحده.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق