تقاسمت مملكتا حميّر
وحضرموت منذ القرن الأول قبل الميلاد مملكة قتبان. ولكن حميّر شكلت تحالفاً مع ممالك صغيرة منها مملكة ظفار التي ستصبح عاصمة حميّر، وأصبحت معروفة منذ بداية
القرن الثاني الميلادي. قامت مملكة حضرموت بتدمير مملكة قتبان نهائياً عام 175م. تمكنت مملكة حمير من كسر مملكة سبأ نهائياً عام 280م وألحقتها بها، وأمام هذا الصعود
القوي والسريع لحمير انهارت مملكة حضرموت وانضمت بقاياها إليها مكونة بذلك
الإمبراطورية الحميرية منذ مطلع القرن الرابع الميلادي. وبقيت على هذا الحال حتى
عام 571م بالرغم من حروب نشأت هنا وهناك، منها الغزو الأثيوبي والحروب الدينية بين
اليهود والمسيحيين.
وبالرغم من أول انهيار في سد مأرب عام 360م وانهيار آخر عام 456م وتراجع الزراعة إلا أن التجارة مع
العالم الخارجي لم تتوقف خاصة مع روما. ولتعزيز قوتها أنشأت حميّر إمارة في الجزيرة
العربية وأصبحت إمارة (مملكة) كندة تابعة لحميّر منذ القرن الخامس. لكن الأزمات الدينية أثرت
في هذه المملكة أكثر من التأثيرات الأخرى. فقد اعتنق ملكها أبكرب أسعد (أسعد تبع
عند الإخباريين) عام 380م اليهودية محدثاً يذلك ثورة ضد الديانات الوثنية القديمة.
ولكن القرن الخامس شهد تغلغلاً كبيراً للمسيحية مما أثار أزمات بين اليهود
والمسيحيين الحميريين. وفي عام 519م اعتلى عرش حمير ملك مسيحي هو "معد يكرب يعفر" الذي قتله عاهل يهودي اسمه يوسف أسأر الذي خاض حروباً ضد المسيحيين بلغت ذروتها نهاية
عام 523 مع الشهيد القديس أريتاس (الحارث!) في نجران.
ومع هذه الأزمات
الدينية ترافق تراجع سياسي إذا غزا قالب ملك أقسوم (الحبشة) اليمن عام 525م مما أدى
إلى انتحار الملك يوسف ومن ثم تثبيت الديانة المسيحية بقوة التدخل الخارجي، وبالرغم
من تسمية ملك من حميّر إلا أن قائد الجيش الحبشي إبرهة أطاح به عام 531، وجعل
صنعاء عاصمة بدلاً من ظفار. كان إبرهة نائباً لملك أقسوم في اليمن وقام بإصلاح
سد مأرب وسميّ ملكاً على اليمن عام 558م. وقيل إنه أراد بناء كنيسة كبيرة في صنعاء
ليحج إليها الناس بدلاً من الكعبة. اتسم حكمه بالقسوة ولم يكن مقبولاً من
اليمنيين. وفي عام 570 طلب الأمير اليهودي سيف بن ذي يزن من الفرس التدخل لطرد
المحتل الحبشي، لينقذ بذلك مملكة حمير التي لم يطل بها الأمد بعد ذلك إذ سقطت مع
سقوط الدولة الساسانية.
وهكذا إذن، انتهت مع
بداية القرن السابع الميلادي كل الممالك التي كانت موجودة في شبه الجزيرة العربية
وتخومها: اللخميون ومعهم ضعفت الإمبراطورية الساسانية، والغساسنة ومعهم ضعفت الإمبراطورية
البيزنطية، وحميّر ومعها كندة وقبلهم جميعهم دولة الأنباط، وبين هؤلاء وأولئك مملكة تدمر وأطماحها، وأصبحت الأرض جاهزة
لاستقبال دولة جديدة: الدولة الإسلامية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق