بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 23 يوليو 2015

الخط المستقيم والاستقامة!



تمتلئ حياتنا (وليست الحياة) بالخطوط الهندسية، المستقيمة والمنحنية. فمن جدران البيوت، إلى الشوارع، إلى أدواتنا التي نستخدمها في حياتنا اليومية، كلها ذات خطوط إما مستقيمة أو ذات انحناءات يمكن وصفها هندسياً باستخدام الزوايا والدوائر والقطوع وما يتشكل منها من أسطوانات ومخاريط وأشكال هندسية فراغية منتظمة. ولكن مثل هذه الخطوط غير موجودة في الطبيعة إلا في حدود ضيقة جداً، كاستقامة جزع شجرة، من دون أن يكون ذلك كاملاً بالتمام. وكذلك كروية بعض الأحجار التي نشاهدها عند الشواطئ أو بيضويتها، وبدون أن يكون ذلك مطابقاً للتعريفات الرياضياتية. وكما أن النجوم والكواكب ليست أشكالاً هندسية كاملة، فالأرض مثلاً ليست كروية تماماً، وإنما نقول عنها: الكرة الأرضية.

والتعريفات الرياضياتية هي تعريفات بشرية لا وجود لها في الطبيعة. كان الهدف منها مساعدة الإنسان في نمذجة الأشياء حوله ليسهل عليه فهمها والتخاطب بين البشر على أساسها. فبناء طريق مثلاً لن يكون ممكنناً إذا لم نستخدم لغة معيارية يصوغ على أساسها المصمم طريقه ويطلب ممن سينفذون الطريق أن ينفذوا طريقه كما صممه.

لم تكن جدران البيوت الأولى للإنسان مستقيمة، أو شاقولية الارتفاع، ولم تكن دائرية، وإنما كانت ما تتيحه المغاور مع بعض التحسينات الفراغية. هذا ما أظهرته بيوت أولى التجمعات البشرية، أو القرى الأولى التي نشأت في الشرق الأوسط في بلاد الشام وعلى ضفاف الفرات. ولم يظهر الخط المستقيم ربما إلا مع ظهور الملكية، ملكية الأرض، وقسمتها بين ملاكها. فالخط المستقيم أسهل خطوط الفصل في الأماكن المحدودة الاتساع. وهذه السهولة هي سهولة في التنفيذ، إذا يكفي شد حبل بين نقطتين لتشكيل القطعة المستقيمة.

أما تعريف الخط المستقيم، فقد أنشئت فيه تعاريف عديدة، لكن أبسطها يقول إنه أثر حركة نقطة تتحرك باستمرار ولا تعرف أي انعطاف، لا لليمين ولا لليسار. والبعض يقول إن القطعة المستقيمة هي أقصر مسافة بين نقطتين، وهو ما تعلمناه في المدارس.

وبحسب قصة قصيرة، نشرت في مجلة المعرفة السورية، يسأل الأستاذ تلميذاً في صفه عن الطريق الذي سيسلكه للعودة إلى بيته من المدرسة بأقصر وقت ممكن. يتوقع الأستاذ أن الطالب سيجيبه بأنه سيذهب بخط مستقيم بحسب ما شرح الأستاذ في ذلك اليوم. ولكن الطالب يقول إنه سيأخذ الطريق الأكثر تسلية، حتى لو كان كثير الانحناءات: فهذا طريق سيكون الشعور بطوله أقل!
 
واليوم، هل يمكن تصور الحياة بلا خطوط مستقيمة؟ فغير الهندسة ومنتجاتها، أخذت الاستقامة معنى أخلاقياً، يشابه تعريف الخط المستقيم السابق. الاستقامة هي سلوك بلا انعطافات.

يروي فيلم فرنسي ظهر على الشاشة عام 2011 بعنوان "الخط المستقيم"، حياة لاعبة رياضية خرجت لتوها من السجن كانت تمضي بعضاً من وقتها في التدرب على سباق 400 متر بالاشتراك مع شاب كفيف يريد الاشتراك في سباق الجري. فهل كانت هذه الفتاة لتعلم الكفيف الركض على خط مستقيم، أم أنها عادت للصراط المستقيم!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق