بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 13 يوليو 2015

امرؤ القيس: أمير ضال وتاريخ ضائع



هناك من يقول بأن امرأ القيس لم يوجد جملة وتفصيلاً. وفي دراسة لباحث ألماني يتحدث فيها عن ستة عشر شاعراً باسم امرئ القيس! وهناك من يقول بأنه قد وجد ويروي تفاصيل عن حياته. وهذه التفاصيل تختلف بحسب الراوي، وهي اختلافات كبيرة أحياناً. البعض يقول عنه أنه أمضى شبابه ماجناً حتى يوم إنبائه بمقتل أبيه الملك. وهناك من يقول بأن أباه طرده لأنه كان يقول الشعر وهو ما تأنفه الملوك، فغادر للعيش مع أصدقاء السوء للصيد والشرب ونظم الشعر. وهناك من يقول إنه طرد من قبيلته لشعر كتبه في فاطمة التي كان لها عاشقاً، فطلبها زماناً، وفيها قال قصيدته الشهيرة:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل          بسقط اللوى بين الدخول فحومل  (المزيد)

فلما سمع أبوه ذلك غضب وأوصى بقتله وطرده. وهناك من يقول إن أباه طرده لأنه تغزّل بامرأة من نسائه.

وفي اختلاف هذه الروايات اختلاف في نتائج التقصي عن طبيعة حياة مجتمعات ما قبل الإسلام.

ويقال إن امرأ القيس حاول بعد ذلك الانتقام لأبيه، فجال بين القبائل العربية طالباً العون. وهنا تختلف الروايات كثيراً عن القبائل التي وافقت أو رفضت تقديم العون. وهو في النهاية يذهب إلى قيصر البيزنطيين يوسطنيانوس طلباً للعون في استرداد الملك بصحبة شاعر من قبيلته شعر بخيبة مسعاهما، وعبر امرؤ القيس عن ذلك بقصيدة طويلة منها:

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه       وأيقن أنا لاحقان بقيصرا
فقلت له لا تبك عينك إنما                  نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا (المزيد)

ونتساءل عن سفره هذا وعلاقته بقيصر وكيف حدث أن ذهب إليه دون معرفة مسبقة، وكيف أن للقيصر أن استقبل شاباً ضالاً مثل امرئ القيس الباحث عن استعادة مُلك إحدى قبائل شبه الجزيرة العربية؟ وفي رحلته يصف بعض علامات الطريق، مثل حوران وحمص وشيزر:
تقطع أسباب اللبانة والهوى    عشية جاوزنا حماة وشيزرا
لقد أنكرتني بعلبك وأهلها      ولابن جريج في قرى حمص أنكرا
ولا يذكر شيئاً عن باقي الطريق إلى القسطنطينية!

أما قصة موته ففيها روايات مختلفة أيضاً. منها موته قرب أنقرة في طريق العودة نتيجة مرض قديم اشتد عليه فنال منه. ومنها أن القيصر الذي أرسل معه جيشاً لنصرته في استعادة ملكه قتله بثوب مسموم إثر وشاية مغرضة، وأن هذا الثوب أرسل إليه وهو في طريق العودة، وكان ذلك قرب أنقرة، فلبسه وأدى السم إلى تقرح جسده، ولذلك سمي ذا القراح.

وربما كل ذلك تجميع لروايات لأشخاص مختلفين في شخص واحد سميّ امرؤ القيس، بقي منه قول مثير للتأمل، يروي قصة شاب ضال استفاق من ضلالته إثر حدث جلل هو مقتل أبيه "الملك"!: ضيعني صغيراً وحملني دمه كبيراً، لا صحو اليوم، ولا سكر غداً، اليوم خمر، وغداً أمر.
خليلي، لا في اليوم مصحى لشارب      ولا في غد إذ ذاك ما كان يشرب

وأخيراً، أليس من المستغرب أن يحاول امرؤ القيس، الماجن السكير، الثأر لأبيه الذي طرده من قبيلته، وهو أصغر أخوته! وكيف نقل إلينا كل ما يفترض أنه من شعره! أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة مقنعة... قصص أخرى في التاريخ العربي تحتاج إلى الكثير من التمحيص، فهي أقرب للروايات والحكايا منها إلى تاريخ يمكن البناء عليه.

معطيات هذه المادة مستقاة في معظمها من كتاب "المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام" للدكتور جواد علي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق