بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 19 أكتوبر 2017

الذكاء الصنعي... من الإنسان العاقل إلى الإنسان الرقمي

يبحث رأس المال دائماًعن ميادين استثمار مربحة. ومهندسون شباب يبحثون عن تحقيق أفكارهم. أفكارٌ هي من بنات عصرهم وما تتحه أدواتهم التقانية والمعرفية. بتزواج الاثنين معاً يجري التغيير. إنه تغيير كبير سينقل الإنسان من مرحلة إلى مرحلة أخرى. فالإنسان مر بمجموعة من المراحل. أهمها مرحلة الإنسان المنتصب homo-rectus الذي يسير على اثنتين فقط. وبعدها الإنسان الماهرhomo-habilis  الذي طوّر أدوات من أهمها حفظ وإيقاد النار. وبعدها الإنسان العاقل  homo-sapiensالذي ينتمي إليه الإنسان الحالي، وهو إنسان يفكر ويخطط، صنع الأدوات وطورها وصنع اللغة وأشياء كثيرة آخرها الكتابة وما تلاها حتى يومنا هذا. واليوم، فإن هذا "العاقل" يحضّر نفسه إلى تطوير نفسه لكي يصبح إنساناً جديداً، قد يطلق عليه "الإنسان الرقمي" homo-digitalis.

المقصود بالإنسان الرقمي، هو إنسان معدّل. سيكون التعديل في صميم الدماغ الإنساني. لن يكون الأمر بعمل جراحي تقليدي، لا، وإنما بإضافة شريحة إلكترونية إلى الدماغ، تتفاعل معه، وتمكّنه من تخزين الكثير من المعلومات، ومن التفكير بسرعة، ومجابهة المسائل وتقديم حلول بسرعة عالية أيضاً. أي زيادة القدرة الدماغية عن طريق تعديل يجري في الدماغ، وهو ليس تعديلاً بيولوجياً يمكن مماثلته بطفرة على شاكلة الطفرات التي مرت بها الكائنات الحيّة في مراحل حياتها المختلفة، وإنما هو تعديل اصطناعي بكل ما لهذا من عواقب، قد تنزع من الإنسان أشياء كثيرة منها بشريته، بشريته التي لطالما تغنى بها.

بدأت المسألة مع التطورات السريعة في عالم التقانة والمعرفة. ففي الطب تمكن الإنسان من زرع مكونات تقانية في جسمه تساعده على الحياة ومقاومة أعطاب البدن، أبسطها وأقدمها وسائل الرؤية من نظارات وعدسات لاصقة وغير ذلك، والأسنان الصناعية، وكذلك أدوات السمع التي لآخرها أن تزرع في الجهاز السمعي، ومحرضات القلب والأطراف الصناعية التي لآخرها إمكانية التحرك بأوامر دماغية كما الأطراف الطبيعية. وهذا الأخير تعبير عن التطور المعرفي في فهم وظائف المناطق المختلفة للدماغ وآليات عملها، وهو فهم غير مكتمل حتى اليوم، لكن العمل يسير بوتيرة عالية وباستثمارات ضخمة للغاية.

وفي الجانب التقاني، فقد حدث تطور هائل في الشرائح الإلكترونية، من حيث الحجم والأداء. وكذلك في مجال الذكاء الصنعي. الذي هو باختصار خوارزميات (خطوات عمل تتكرر كلما دعت الحاجة) لها أن تقوم بمهام محددة وواسعة، ولها (وهذا الأهم) أن تتعلم بنفسها، أي أن لها إمكانية التطور الذاتي بتعلمها من أخطائها وتعلمها كيفية تحسين نتائجها. في العام الماضي أثبت الحاسوب أن معامل ذكائه أكبر من 75% من الناس، وفي عام 2025 سيكون أعلى من جميع الناس بحسب التقديرات.

وبمزاوجة هذا التقدم المعرفي والتقاني هنا وهناك، سيكون لنا في السنوات القليلة القادمة إمكانية زرع شرائح إلكترونية في الدماغ تعمل وفق تقانات الذكاء الصنعي بحيث يتمكن الإنسان المزوّد بهذه الشرائح من تحسين قدراته الدماغية، من ذاكرة ومعالجة، على نحو كبير جداً.... البعض يقول: إن هذا لأمر رائع!... ولكن هذا سيكون مكلفاً للغاية وبذلك سيكون متاحاً لقلة من الناس، أي سيكون بين البشر الذكي جداً والأقل ذكاء بكثير وهؤلاء هم الأغلبية!!... هذا فقط أمر واحد من بين الأمور المخيفة، والمخيفة جداً... من الأفضل للبشرية أن تفكّر منذ اليوم جدياً بأمر نفسها وإلى ما سيقودها كل هذا التقدم، الذي قد لا يكون تقدماً، وإنما أمر آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق