بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 31 أكتوبر 2017

الأنوية... أنا المركز

الأنوية هي ترجمة لكلمة Egocentric المؤلفة من كلمتين من أصل لاتيني، الأولى هي "أنا" ego والثانية centrum أي المركز. وهي حالة ترافق الإنسان أثناء نموه وتكون طبيعية حتى مرحلة معينة من العمر، بعد ذلك تصبح حالة مزعجة للآخرين دون أن تصل إلى حالة المرض النفسي.

فالطفل يعتقد أنه مركز العالم وأن كل الأشياء تدور حوله. وهذا أمر مفهوم ذلك أن الطفل لا يستطيع في أول العمر التميز ما بين ما هو له أو منه وما هو للآخر أو من الأخر. وسلوكه الأنوي يظهر في إحالة كل شيء إليه واعتقاده بأن الجميع  ينظرون إليه فقط، وهو يعبر عن ذلك باعتقادات تقارب اعتقاد أن "القمر يتبعه" على حد تعبير عالم النفس السويسري بياجيه الذي أمضى حياته يدرس الأطفال وتطورهم الذهني. وهو كان يرى بأن ذلك ضروري ، وبأن ذلك عبارة عن عملية مفهومة تقود نحو حب الذات الذي هو أمر طبيعي للغاية.

يستمر هذا الشعور بالأنوية حتى المراهقة حيث يأخذ بالاضمحلال عموماً، والطبيعي هو أن يكون الواحد مع الآخر(ين) الذي لا حياة بدونه(م). إلا أنه في حالات معينة، عموماً نتيجة عنف جسدي أو نفسي أو خبر عائلي سيء في فترة المراهقة، يحدث أن يتوقف النمو النفسي في هذا الجانب ويبقى الشعور بالأنوية شعوراً طاغياً يظهر عموماً في بحث هذا الأنوي عن لفت الانتباه إليه دائماً وإلى ما يقوله أو يفعله. فهو يشارك في كل حديث ويروي قصصاً عما عاشه بدراماتيكة وتركيز أكثر مما بدأ الآخرون بروايته أمامه دون أن يسمح لهم بإنهاء روايتهم. وهو مركز الأحداث في عمله، فالتغيير الإداري في مكان عمله مثلاً سيكون هو المعني الأول به، الخ. وهو في سلوكه هذا ليس نرجسياً أو مغروراً بمعنى أنه يحب نفسه، وهو ليس أنانياً بمعنى أنه يحب الاستحواذ على الأشياء. هو فقط يريد أن يجذب الانتباه إليه دون أن يعني هذا أنه يحب نفسه كما هو، ولكنه يحب نفسه كما ينظر الآخرون إليه، وهو يظن أنه المصدر الوحيد لسعادتهم أو شقائهم، ويمكن أن يظن نفسه أنه منقذهم أو شهيدهم أو حتى طاغيتهم الذين يهرعون إلى تلبية طلباته.

يجد هؤلاء الأشخاص صعوبة في علاقاتهم مع الآخرين، وليس لهم القدرة على بناء شبكة علاقات دائمة يتحركون داخلها على نحو طبيعي، والأغلب هو أنهم يجدون أنفسهم خارج اهتمام الآخرين. والخروج من هذه الحالة هو سهل بقدر ما هو صعب. فالخروج يبدأ من سؤال المرء لنفسه: لماذا أحتاج مباركة الآخرين؟ ولماذا أنتظر ذلك منهم؟... نوع من التأمل الذاتي، وهذا هو الأمر الصعب.... فالجميع، بطريقة ما، يحتاجون إلى التأمل الذاتي ومساءلة أنفسهم عن أشياء بسيطة، عن سلوكهم مع الآخرين ومع أنفسهم، وليس في مسألة الأنوية فقط ...ولكن قلة هم من يفعلون ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق