هي ليست بالطبع أبنية مطليّة باللون الأخضر،
وإنما تسمى بالخضراء كناية عن مراعاتها للبيئة، بمعنى التقليل من الأضرار التي
تلحقها الأبنية الحالية بالبيئة. فأبنية المدن لوحدها مسؤولة عن 30% من غازات
الاحتباس الحراري، وهي نسبة كبيرة. لذا فإن الحد منها سيساهم على نحو كبير
في خفض هذا الاحتباس عموماً. وهذه المسألة سيتفاقم أثرها مع المستقبل إذا علمنا أن
نسبة ساكني المدن حالياً تساوي 55% من سكان الأرض وأن هذه النسبة ستزداد إلى 70%
بحلول عام 2050. والبناء الأخضر أثبت فاعليته بحسب مجلة ناشونال جيوغرافك التي قالت
بأن الأبنية الخضراء تخفّض من نسبة ثاني أوكسيد الكربون بمعدل 34% مقارنة بالأبنية
التقليدية. ولهذا أثره ليس على البيئة وحدها وإنما أيضاً على صحة الناس وبالدرجة
الأولى قاطني هذه المدن. وبحساب بسيط يمكن الوصول إلى حقيقة أننا نمضي في الأماكن
المغلقة من بيوت ومكاتب نسبة 90% من الوقت، والباقي كما يقال في الهواء الطلق!
بناء الأكروس الأخضر للتبادل الثقافي في فوكيوا اليابانية |
صورة جانبية لبناء الأكروس بطوابقه الخمسة عشر |
وهذه الأبنية مصممة بحيث تستخدم طاقة أقل وماء أقل أيضاً وتضيف تحسينات بيئية داخلية مثل جودة
الهواء. فعلى أسطحتها تنصب لواقط شمسية، وتزرع نباتات، تخفف كلها من أثر العواصف
المطرية وكذلك حرارة الصيف المرتدة. وجدرانها عازلة للحرارة، مع تهوية محكمة. كما
أن إنارتها تعتمد بأكثر ما يمكن على الضوء الطبيعي، إضافة إلى أنظمة ملاحقة ذكية
بحيث تطفأ الأنوار في حال عدم الضرورة لذلك، إما بسبب الإضاءة الطبيعية أو لخلو
المكان من شخص بحاجة إلى الضوء. أما بالنسبة للمياه فتستعمل تمديدات صحية فعالة لا تسمح بالتسريب، إضافة إلى إعادة استخدام المياه عبر التكرير، وخفض الاستهلاك باستخدام
مآخذ مياه تقدم الماء بحسب الطلب (لا يبقى صنبور المغسلة جارياً مثلاً أثناء غسل
اليدين طول الوقت وإنما بمجرد وضع اليدين أسفل الصنبور). وإلى غير هذا فإن لتوجيه
الأبنية دور هام سواء في المناطق الباردة أو الحارة، مما يخفف الطاقة المصروفة
للتكييف أو للتدفئة. وفي هذا الخصوص هناك أنظمة تكييف وتدفئة يمكن وصفها
بالطبيعية، باستخدام دارات أرضية تستفيد من الحرارة/البرودة المختزنة في الأرض.
هذا إضافة إلى إمكانية استخدام مواد عضوية في البناء لا تؤثر على البيئة بالقدر
نفسه للبيوت الحالية عند هدمها.
يتحدث المقال المذكور سابقاً عن انخفاض في
معدل صيانة هذه الأبنية بنسبة 20%، وتوفير في الطاقة بنسبة 25% وفي المياه بمعدل
11%. وأن ما أنفق حتى عام 2014 في الولايات المتحدة على بناء مثل هذه الأبنية هو من
مرتبة 120 مليار دولار، وأن التوقعات تشير إلى الإنفاق سيكون من مرتبة 220 مليار
دولار عام 2018.
بيوت الكثير من المجتمعات التقليدية، وخاصة
في الشرق، كانت نتيجة خبرة آلاف السنين، وكانت متوافقة مع البيئة إلى حد كبير،
ولكن تم التخلي عنها لصالح التقانات الجديدة... ربما حان الوقت لإعادة التفكير في
تصميم بيوت وأبنية هذه المجتمعات بما يتوافق مع البيئة مستلهمين بذلك إرثاً غنياً!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق