بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأربعاء، 11 يناير 2017

تخطيط المدن القديمة ... تشاتال هويك، وماري وأرقيم



لم تولد المدينة التي نعرفها اليوم بكل ما فيها هكذا ودفعة واحدة. فبعد التجمعات الإنسانية الأولى على شكل قرى ذات بيوت متناثرة هنا وهناك، تشكلت مدن، هي في أصلها قرى، ولكن عدد سكانها الكبير نسبياً فرض أشياء لا تحتاجها القرية. فالبيوت تتلاصق في المدينة، وهذا يعني الحاجة إلى ممرات (شوارع) بين البيوت، وساحات لعرض المنتجات والبيع والشراء؛ وكذلك إلى صرف صحي... وقصر للحاكم، وسكن للحامية، إلى غير ذلك. وهذا كله ليس بالأمر البديهي.

رسك توضيحي للمدينة
غرفة (بيت) من بقايا المدينة
من المدن القديمة الأولى، مدينة تشاتال هويك، الموجودة بقاياها اليوم في وسط تركيا، بقرب نهر سميت المدينة باسمه، بدأ التنقيب عنها عام 1951. البدايات الأولى لهذه المدينة كانت في اجتماع الرجال والنساء في تلك المنطقة في الألف التاسع قبل الميلاد. ومع مرور الزمن تحولت إلى مدينة ضمت قرابة ألفي بيت وثمانية آلاف قاطن بحلول الألف السادس قبل الميلاد. الغريب في هذه المدينة أن بيوتها كانت متلاصقة ولا شوارع فيها. وكان الناس يتنقلون فيها عبر الأسطحة. السبب في ذلك ربما للحماية من الوحوش الكاسرة، وربما للحماية أيضاً من هجمات مجموعات بشرية أخرى. إذ كانت السلالم تسحب كل مساء بحيث يمكن للأهالي النوم بلا قلق. وباب كل بيت هو فتحة في السطح وسلم خشبي يقود إلى فضاء (غرفة وحيدة) سكني مزين بالرسوم الإنسانية والحيوانية وخاصة الثيران والصقور والغزلان. عرفت هذه المدينة فن العمارة وأيضاً فن الزراعة الذي اختصت به المرأة في حين أن الرجل اختص بالصيد. هذه المدينة كانت خطوة هامة باتجاه المدينة ذات الشوارع، فقد استعمل في بناء بيوتها لبنات الآجر المستطيلة مما سمح ببناء جدران مستقيمة وشاقولية.


رسم تصوري لمدينة ماري
أما مدينة ماري التي اكتشفت عام 1933، فتأتي بعد تشاتال بزمن طويل، تعود بدايتها إلى الألف الرابع قبل الميلاد. وهي مدينة بشوارع، دائرية الشكل يحيط بها خندق بهدف حماية المدينة من الفيضان. بنيت بعيداً عن نهر الفرات تجنباً للفيضانات على الأغلب. يقال بأن قناة كانت تربط الخابور بالفرات بطول 120 كلم وتعبر المدينة لتزودها بالمياه، وهي كذلك ممراً مائياً تمخره القوارب والسفن (ليس من كتابات تاريخية تؤكد ذلك، ولكن من المؤكد وجود شبكة من الأقنية المائية الصغيرة). ومياه القناة أو الأقنية الصغيرة كانت بالطبع للاستخدام في الزراعة. قطر المدينة نحو 1300 متراً يحيط بها سور وأبراج مراقبة. لم تكشف الحفريات عن قصر أو معبد في المدينة القديمة، ولكن أجيالاً أخرى تعاقبت على المدينة وبنت فيها قصوراً ومعابد، ولكن وجد فيها شوارع للحرفيين. البيوت كانت مبنية على أساسات قوية من الحجر.

مخطط توضيحي لمدينة أركيم
مدينة ثالثة تعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد هي مدينة أركيم في روسيا الحالية قرب وادي أركيم في الأورال قرب مدينة شليابينسك، اكتشفت عام 1987. وهذه المدينة تخرج عما كان معروفاً في أيامها من مدن مثل بابل والمدن المصرية. فبيوتها كانت معدة لمقاومة العواصف والنيران. تتوفر فيها مخازم للمؤون مع أنظمة تهوية. وتتوفر فيها مياه الشرب من آبار أرضية لكل بيت، وفرن ومطبخ وأدوات طبخ. وكان فيها نظام صرف صحي. بنيت هذه المدينة على شكل دوائر لها المركز نفسه، ولم يعرف سبب لذلك حتى الآن. لها باب وحيد، وفيها معبد ومرصد فلكي! لا يزال البحث جارياً عن تاريخ هذه المدينة وأصلها.

بقي أن نقول إن الأرض لا تزال تخفي أسراراً، تتكشف بالصدفة كما كان هو الحال في المدن الثلاث ... وهي مدن مندثرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق