بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 20 يناير 2017

طواحين المد والجزر



يقال إن أقدم الصناعات هي صناعة الطحن. فمنذ عرف الإنسان الحبوب وعرف ضرورة تكسيرها لاستخدامها في غذائه، وعرف الدقيق واستخدمه في الخبز، نشأت صناعة الطحن والجرش لمن أراد مقابل أجر. وهي صناعة تكاد تكون منسية اليوم ولا تثير انتباه إلا قلة قليلة من الناس بالرغم من أهميتها، فلا خبز بلا طواحين، ولا الكثير من الأطعمة الطيبة أيضاً.
نمذج عن أولى الطواحين



أقدم هذه الطواحين هي طواحين مؤلفة من قطعة حجر ثابتة وقطعة متحركة ذهاباً وإياباً يدوياً لهرس الحبوب الجافة، أو بالطرق والدق، التي قد لا تعطي دقيقاً بنعومة الطحين المستخدم في الخبز. وقد يكون ذلك مصدر كلمة دقيق في اللغة العربية! ظهر هذا النمط البدائي في فلسطين منذ قرابة عشرة آلاف سنة. وبما أن الخبز عرف منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، إذن وجدت طواحين الدقيق منذ ذلك الوقت على الأقل. وأصبحت الخبازة مهنة منذ القرن الثاني قبل الميلاد في روما. وصُنعت أصنافٌ من المطاحن والطواحين منذ الحضارات الأولى، وإن كان أشهرها ربما الطواحين التي تدار بقوة جريان الماء.
مطحنة حجرية يدوية

استخدام طاقة جريان الماء لتدوير القسم المتحرك
وفي كل الأحوال فإن الطواحين التقليدية تتألف من قسمين، الأول ثابت والثاني متحرك يدور فوق الأول، يصنعا عادة من الحجارة الصماء. يتم تحريك القسم الدوار بواسطة طاقة تقدم إليه، في معظمها من أصل طبيعي، كالريح والمياه المتساقطة أو الجارية، أو حيوان أليف يدير القسم المتحرك أو عضلات الإنسان في حالة الطواحين الصغيرة. يمكن للقسم الدوار أن يكون أفقياً، وهو في الغالب كذلك، كما يمكن أن يكون شاقولياً وذلك وفقاً لآلية التدوير.

طاحونة المد والجزر
لكن في بعض المناطق الذي تكون فيها ظاهرة المد والجزر كبيرة، يمكن استغلال لحظات المد (ارتفاع مياه البحر عند الشاطئ) لملء خزان كبير (شبه بحيرة) يصنع خصيصاً للمطحنة، التي ستستفيد من المياه التي ستخرج من هذا الخزان في فترة الجزر لتدير بذلك القسم المتحرك في المطحنة. ومثل هذا النمط من الطواحين يوجد على سواحل المحيطات وفي أماكن محصورة نسبياً يبرز فيها المد والجزر على نحو جلي. ظهرت أولى هذه المطاحن في القرن الرابع الميلادي في إيرلندا في منطقة كيلوتيران، وانتشرت في القرون الوسطى في عدن مناطق مثل اسكتلندا وإنكلترا وهولندا وبلجيكا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال. بلغ عددها في وقت ما 750 مطحنة حول المحيط الأطلسي، 300 منها في الولايات المتحدة و200 في إنكلترا. ولكن لم يبق منها اليوم سوى بعض الطواحين للذكرى ليس إلا.

طواحين اليوم لا تعمل بالطريقة نفسها. فلم يعد الحجر الثابت ضرورياً، والقسم المتحرك لا يزال يتحرك ولكن بطاقة من مصدر مختلف تجعله يدور بسرعة كبيرة، وهو أصبح مؤلفاً من شفرات لولبية عدة تمزق كل أنواع الحبوب الموجودة بينها نتيجة دورانها السريع. فالمطلوب اليوم إنتاجية عالية لسد حاجة البشرية التي زاد عدد سكانها بأكثر من عشر مرات عما كانت عليه في القرن الثامن عشر! ولهذا ثمنه وعلى أكثر من صعيد.

بقي أن نقول إن هناك دائماً أكثر من وسيلة لتحقيق الغاية نفسها، وهي وسائل تتعلق بالسياق العام للفترة التي وجدت فيها... وزيادة الأرباح ليست بعيدة عن مثل هذه التغيرات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق