بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 19 يناير 2017

منسيوس الكونفوشي والطفل والبئر



رسم متخيل لمنسيوس

وهو من أتباع كونفوشيوس وأهم فلاسفة الكونفوشيوسية بعد كونفوشيوس نفسه. ولد في القرن الرابع قبل الميلاد وعاش تسعين عاماً. اسمه الحقيقي منغ كو. توفي أبوه في صغره وربته أمه، التي غيرت مكان سكناها ثلاثة مرات بسبب الجوار السيء إلى أن وجدت الجوار المناسب لتربية ابنها. اهتمت بتعليمه، وأرسلته إلى المدرسة. كانت تعمل بنسج القماش لإعالة نفسها وابنها. وذات مرة عاد منغ باكراً من مدرسته، فتوقفت أمه عن النسج وقصت القماش الجميل الذي كانت تنسجه. استغرب الابن ذلك وطلب تفسيراً. فقالت له: لقد قمت بما قمت أنت به! فأدرك منغ أن عليه أن يعود إلى مدرسته ويواظب على دروسه. وهذه الحكاية تروى لليوم لأولاد المدارس في شرق آسيا.

عمل منغ مستشاراً لملوك ممالك الحرب (ممالك الصين التي كانت في حروب دائمة في القرن الرابع قبل الميلاد)، ووضع نصائحه وآراءه في كتب لا تزال موجودة، ترجمت إلى معظم لغات العالم. كان يسعى لإشاعة السلام، وهو ما لم ينجح به مع ملوك الحروب، فسبب له ذلك مرارة فوق مرارة وفاة والدته، فاعتزل وتفرغ للتأمل والكتابة.
يستند تفكيره إلى حقيقة طبيعة الإنسان التي اعتبرها طبيعة حسنة أساساً. وهو يقدم البرهان على ذلك بحكاية "الطفل والبئر"، التي في إحدى نسخها تقول بأن طفلاً كان على وشك السقوط في بئر عميق، فهو متمسك ببعض أحجار جدار البئر عند فتحته العليا. وبينما كان الطفل يستغيث مرّ رجل بقرب البئر، فاندفع بدون تفكير أو سؤال لإنقاذ الطفل. وهذا الطفل ليس بطفل الرجل. والرجل اندفع بلا تفكير، إذ ربما الطفل هو ابن عدوه، ولكن الرجل لم يسأل نفسه أبداً عمن يكون هذا الطفل. وتصرفه هو تصرف أي رجل أو شخص يمرّ بقرب طفل يستغيث. وأن هذا الأمر صحيح في كل مكان وزمان. وهو يقول بأن أي إنسان لا يحتمل ألم وعذاب من بجواره، وأن العطف هو من صفات الإنسان المتأصلة.

يستخلص منغ من هذا ومن تأملاته أيضاً عدم قسر الطبيعة الإنسانية عبر التربية، ولكن يجب العمل على تنمية الحس الأخلاقي، بدون البحث عن تقويمه، وعلينا ألا نترك القلب ينسى هذا الحس. ولكن بدون مساعدته على تنمية هذا الحس، فإنما نفعل كما فعل سونغ. وسونغ هذا هو مزارع أراد لزرعه أن ينمو بسرعة، لذلك أخذ بشد غراسه علّها تزداد نمواً. وعندما علم ابنه بالأمر ذهب لتفقد البستان فوجد أن الغرس قد جف وذبل. وهنا يقول إن من الواجب العناية بالغرس فقط وهو سيتدبر أمر نفسه دون قسره على شيء.

وفي الختام، كان يقول بأن علينا أن نتعلّم وأن نجدّ لكي نتعلم، لكن لا يمكن أن نقسر أنفسنا على أن نكون علماء وبلا أخطاء أخلاقية. وأن إكراه الطفل على أن يكون كاملاً فوراً، يشبه شد سنابل القمح لكي تنمو بسرعة، ويكون حالنا مثل حال المغفل سونغ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق