بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 14 يناير 2017

أوديب... القصة والعقدة وكبش الفداء


اشتهر الإغريق بأساطيرهم التي تربط الآلهة بالبشر في أحداث دراماتيكية للدلالة والإشارة إلى أشياء تعتمل في النفوس يمكن للأسطورة أن تفسرها. ومن بين هذه الأساطير أسطورة أوديب، التي كتب فيها وعنها الكثير. رويت بأشكال مختلفة من بينها رواية الكاتب المسرحي الإغريقي سوفكليس باسم "أوديب ملكاً"، قدمها فيما نذكر فيلماً سينمائياً المخرج الإيطالي بازوليني.

تبدأ الأسطورة في مدينة طيبة وملكها لايوس وزوجته جوكاست اللذان ذهبا إلى عرّاف ديلف الشهير، فتنبأ لهما بأنهما إن رزقا بغلام فسيقتل هذا الغلام أباه ويتزوج أمه. ورزقا بالفعل بغلام، وحتى لا تتحقق النبوءة قررا التخلي عنه بقرب هضبة وثقبا رجليه (ومن هنا جاء اسمه "أوديب"، أي صاحب القدمين المنتفختين) وعلقاه في شجرة. ولكن ملكاً آخر اسمه بوليب وزوجته مرا من هناك وأنقذاه وربياه كما لو كان ابنهما. ولكن الناس كانوا يهمسون بأنه ليس ابنهما. فما كان من أوديب عندما أصبح شاباً إلا أن ذهب إلى عراف ديلف ينشد حقيقة أبويه. ولكن العراف لا يجيبه على سؤاله وإنما يقول له بأنه سيقتل أباه ويتزوج أمه. فما كان من أوديب إلا الفرار حتى لا يواجه المصير المشؤوم.
 
رسم من القرن الخامس قبل الميلاد يظهر أو الهول في الوسط وأوديب في اليمين
يهيم أوديب على وجهه في البلاد مستخدماً عربته التي تصدم بعربة رجل كهل على الطريق إلى مدينة طيبة، فيجري عراك بين الرجلين يقتل فيه أوديب الرجل الكهل، الذي لم يكن شخصاً آخر غير أبيه الحقيقي ملك طيبة. يتابع أوديب طريقه ويواجه خلال ذلك أبا الهول (سفانكس)، الذي كان نصفه امرأة ونصفه الآخر حيوان، وينجح في مواجهته ويخلص مدينة طيبة من شروره. ولمكافأته لانتصاره على أبي الهول يقرر أهل طيبة تزويجه من جوكاست، أرملة الملك، وتتحقق نبوءة عراف ديلف بالكامل. إلا أن الطاعون فتك بالمدينة، وهنا يكتشف أوديب أن هذا البلاء لم يكن إلا لأنه قتل أباه وتزوج أمه. وللتكفير عن ذلك يفقأ أوديب عينيه ويهيم في البراري حيث يموت بقرب أثينا.

هناك من استخدم هذه الأسطورة في التحليل النفسي، وأول من فعل ذلك سيغموند فرويد، للإشارة إلى الرغبة غير الواعية لدى الأولاد الذكور بالزواج من الأم وقتل الأب بسبب الغيرة، وسميّ ذلك بعقدة أوديب، ولها مقابل خاص بالبنات اسمها "عقدة إليكتر". والبعض الآخر استخدم هذه الأسطورة للقول بأنها للبحث عن كبش فداء تناط به مسؤولية آلام المدينة، التي تبحث عن توحدها من جديد والتخلص من شرورها بطرد كبش الفداء هذا والتخلص منه.

بقي أن نقول إنه قد يكون القصد من الأسطورة إظهار أنه لا مفر من القدر، وأن القدر مأساوي بطبيعته... فقد تخلص لايوس وجوكاست من أوديب حتى لا تتحقق النبوءة، وهرب أوديب من مدينته حتى لا يقتل أباه (المفترض) ويتزوج بأمه (المفترضة)، لكن قدميه ساقاتاه إلى أبويه الحقيقيين لتتحقق النبوءة! أو ربما القصد منها شيء آخر...لا يقول سوفكليس شيئاً عن الحكمة من هذه الأسطورة، ومن ثم فلكل أن يستنتج ما يريد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق