بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 16 يناير 2017

الحكم بالإعدام ...في طريقه لأن يكون شيئاً من الماضي!



الحكم بالإعدام هو الحكم الذي تنطق به المؤسسة القضائية عقب محاكمة تعتبر فيها الجاني مذنباً بجرم كبير يستحق الإعدام. وفي حال غياب المحاكمة فيعتبر ذلك إعداماً تعسفياً أو انتقاماً أو عدالة خاصة. والإعدام هو إذن إنهاء حياة شخص ما عقوبة على ما يفترض أنه اقترفه. ظناً بأن ذلك جزاء محق، ينصف المجني عليه وكذلك المجتمع بردع من تخوّل له نفسه ارتكاب أعمال شنيعة. لكن هل الأمر هو كذلك بالفعل؟

عقوبة الإعدام هي عقوبة يعود تاريخها إلى أولى الشرائع والقوانين مثل شريعة حمورابي في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، التي كانت تقول بأن العين بالعين، وأن على من بنى بيتاً مثلاً فوقع على رأس ساكنه فقتله سيقتل جزاءً على سوء عمله، وإن كان ابن صاحب البيت من يموت بفعل وقوع البيت على رأسه فسيقتل ابن البنّاء وهكذا. ولكن أفلاطون لم يكن يرى في ذلك عدلاً، لأن الجاني هو بطريقة ما مريض يجب معالجته وإصلاحه عن طريق التعليم، وإذا لم يصلح حاله بالتعليم فيكون الإعدام. أما أرسطو فقال بضرورة المحاكمة وتأخير عقوبة الإعدام واستبدالها بالدية إلا في حالات القتل عن سابق إصرار وعمد فعندها تجوز عقوبة الإعدام. أما في روما فلم يكن الإعدام عقوبة دارجة وكان يستعاض عنها بالنفي أو التعذيب أو السجن إلا في الحالات الشائنة فيكون الإعدام. وفي عام 747 أعلنت الصين وقف العمل بحكم الإعدام، ولكنها اليوم تحتل قصب السبق في مجال الإعدام! أما الفيلسوف والمشرع البريطاني توماس مور فقد اعتبر في عام 1516 أن عقوبة الإعدام لا معنى لها ويفضل استبدالها بالعبودية، ولكن هذا لم يمنع إعدامه هو بتهمة الخيانة لأنه رفض الاعتراف بطلاق الملك هنري الثامن من زوجته ووصايته على الكنيسة!

أخذ عدد من مفكري القرن الثامن عشر موقفاً مسانداً لعقوبة الإعدام ومنهم جون لوك صاحب الحقوق الشهير الذي قال بأنه "لكل إنسان في الحالة الطبيعية سلطة قتل قاتل حتى يمنع الآخرين من تسبيب ضرر مماثل"، وأخذ الفيلسوف الألماني كانط موقفاً مماثلاً. وكان هؤلاء يعتقدون بأن لأمن الدولة الأهمية الأولى. إلا آن آخرين شككوا بفاعلية ذلك ومن بينهم سيزار بيكاريا وفولتير. والجدل لا يزال مستمراً في كثير من المجتمعات التي تعتقد بأن لعقوبة الإعدام أثر رادع يمنع الآخرين من ارتكاب أعمال تؤدي بهم إلى الإعدام. ولكن المجتمعات التي ألغت هذه العقوبة واستبدلتها بعقوبات السجن المديد، تقول بأنه لا يتوفر أي دليل على أثر الردع، وأن المجتمعات التي تطبق عقوبة الإعدام لا تقل فيها الجريمة عن تلك التي لا تطبق هذه العقوبة. وتضيف أن للجريمة أسباباً منها ما يتعلق بظروف الحياة التي يجب تحسينها لتخفيف الجريمة والتخلص منها، وهو ما تؤكده حقائق اليوم في بعض الدول مثل السويد. ومن الظروف أيضاً ما يتعلق بالحالة النفسية والفيزيولوجية للجاني لحظة فعلته، وهي حالة يمكن وصفها بالمرضية، وفي هذه الحالة فيجب المعالجة أو الحجر، ولكن ليس القتل.

بقي أن نقول إن القرار في هذا يعود في أغلبه لمزاج عامة الناس أو الناخبين، فبعض الدول لا يزال مزاج مواطنيها يميل إلى الإيمان بالعقوبة، ناسين أن عقوبة الإعدام هي قتل أيضاً، وأنهم يعبرون عن اشمئزازهم من القتل بالقتل!!... وللموضوع بقية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق