تشترك الديانات الهندية في الكثير من
المفاهيم، ومن بين هذه المفاهيم مفهوم الكرما karma التي تلفظ أحياناً "كرمان" أو كاما في اللغة الباليّة.
وهذه الكلمة تعني "الفعل بمختلف أشكاله". وهي كناية عن تصور يصف عموماً
حلقة الأسباب والنتائج المرتبطة بأفعال البشر، لتمثّل مجموعة ما فعله إنسان ما أو يفعله راهناً أو سيفعله مستقبلاً.
ترتبط الكرما
بالتقمص بموجب قانون كوني اسمه "ريتا" الذي بمعنى "النظام
الكوني" المرتبط على نحو وثيق بـ"الحقيقة"، وهو نظام يعاقب
"الأفاقين". وهذا النظام يرتبط بمجموعة من النواظم والقوانين يطلق عليها
اسم "دهارما"، تتعلق بكل ما هو اجتماعي وسياسي وعائلي وشخصي وطبيعي
وكوني، أو ما يسمى عموماً بـ "الدين". يربط التقمص الولادة السعيدة (التي تحدث في طائفة من الطوائف الراقية)
بالأفعال الحسنة. والتقمص يحدث بدون تدخل رباني، وهو نتيجة نضج طبيعي للأفعال وعواقبها.
دولاب الحياة أو دولاب الكرما الهندوسي |
يؤمن الهندوسيون
بالتقمص، وهم يعتقدون باستمرار الوجود بعد الموت، ويقولون بأن أفعالنا في هذه
الحياة ستحدد حياتنا القادمة. وأفعال الحيوات الماضية تؤلف الكرما، وهم يعتقدون بأنه
يجب اعتبار الحياة الراهنة امتداداً لأفعال الحيوات السابقة. تماماً مثل الحقل الذي
يبذر، فجودة البذار ستحدد جودة المحصول. وبالنسبة للهندوسيين فإن الموت مثل تغيير
الثياب، ذلك أن الروح تغير الجسد بطريقة مماثلة بعد الموت. والغاية المثلى للهندوسي
هي اتحاد الروح الفردية مع الروح الكونية.
تعكس الكرما أفعالنا
السابقة التي تظهر في حياتنا الحالية. لذا يجب على كل امرئ تحسين كرماه، بالقيام
بأفعال حسنة ضمن حدود الدهارما (الدين). والهدف من كل ذلك هو الخروج نهائياً من حلقة
الميتات والولادات وبلوغ التحرر النهائي. عدد الميتات والولادات يصل إلى 52 مليون
مرة قبل أن نولد كبشر أحرار نبلغ الخلاص. وللتقمص أن يكون في نباتات وحيوانات مختلفة بملايين
المرات. وعند بلوغ الولادة على شكل بشر فلا يجب إهدارها بالقيام بكرما سيئة لأن
هذا سيجعل التقمص عكسياً، يسبب الموت مبكراً أو بالمرض. لذا فعلى كل شخص القيام
بواجبه لجني ثماره. وهذا التحرر من الميتات والولادات يسمى بالهندوسية النيرفانا،
أي حالة الخلاص من المعاناة وبلوغ السعادة بانفصال الذهن والجسد عن العالم الخارجي، أي بلوغ الحرية.
والوصول إلى هذه
الحقيقة الأبدية صعب للغاية ذلك أن العالم الزمني وعالم السراب الظاهري يحجبان عنا
المعرفة الحقيقية. وعالم السراب هذا هو عالم الثراء والرخاء والأنانية والغيرة
وعالم العلاقات المغرية. على المرء أن يعلو فوق عالم الرغبات، مثل زهرة اللوتس التي تعلو فوق سطح
الماء الراكد.
إذن، لا مجال
للإجهاد والضيق في حياة الهندوسي، فما لم يستطع إنجازه في هذه الحياة سيكون له ذلك
في حياته القادمة. ولكن مستوى حياته البشرية القادمة مرهون بأفعاله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق