بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 30 يناير 2017

تعليم المعلوماتية... للأطفال وللجميع

مع التطور الهائل الحاصل في تقانة المعلومات والاتصالات، درجت كثير من الدول على تعليم مواطنيها كيفية استخدام منتجات هذه التقانة وخاصة استخدام الحاسوب. أعد لذلك برامج خاصة، بعضها اتصف بالوطنية باعتبارها أمراً يهم كل المواطنين. كما أعد لذلك شهادات وطنية وعالمية، منها شهادة الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب، على شاكلة رخصة قيادة السيارة، التي يتعلم عبرها المرء أسس استخدام الحاسوب وأشهر تطبيقاته. لكن هذا الأمر اليوم أصبح من منسيات الماضي، فالأطفال يتعلمون استخدام الحاسوب عبر هواتفهم الذكية أو حواسيبهم اللوحية، وتآلفهم مع ذلك لم يعد يحتاج إلى مدرسة لتعلمهم إياه، مثلما أن المدرسة لم تعلم الأطفال يوماً كيف يلعبون!

ولكن المدرسة والعائلة علما الأطفال كيف يتصرفون على نحو لائق، وكيف يمكن أن يكون اللعب مفيداً، وعلمتاهم أيضاً ضرورة وكيفية ألا يؤذون بعضهم البعض. وربما على المدرسة اليوم أن تقوم بمثل هذا الدور إزاء منتجات تقانة المعلومات والاتصالات التي احتلت مساحة كبيرة في حياة الجميع وخاصة الصغار.

تقول التوقعات بأن 90% من سكان العالم سيكونون موصولين إلى الإنترنت في غضون عقد من الزمن. كما تشير الدراسات إلى أن الأطفال يمضون وسطياً سبع ساعات مع منتجات تقانة المعلومات والاتصالات، من تلفزيون وحاسوب وهواتف جوالة أو ذكية وأدوات رقمية أخرى. وهذا أكثر مما يمضونه في المدرسة أو مع أهلهم. ولهذا من ثم الأثر الأكبر على صحتهم بالمعنى الواسع للكلمة. فماذا يشاهدون ومع من يتصلون ويتواصلون، وأية أنشطة يمارسون عبر الأدوات الرقمية، كل هذا سيؤثر على نموهم الإجمالي.

صحيح أن العالم الرقمي مليء بما يمكن التعلم منه والترفه به، ولكنه أيضاً يتضمن مخاطر، مثل الإدمان على هذه الأدوات أولاً، والنفاذ إلى محتوى مؤذ مثل ذلك الذي يتضمن العنف أو غير اللائق والشاذ، أو الذي يقود إلى التطرف، أو التحايل، وأقله سرقة المعلومات. ونظراً للفجوة الرقمية بين جيل الأولاد والآباء أو المدرسة، فإن هؤلاء لا يستطيعون في الأغلب مد يد العون للأبناء لتجنيبهم المخاطر.

وعلى هذا فمن الضروري تحضير الطلاب للتعامل مع العصر الرقمي عبر ما أخذ يُعرف باسم "الذكاء الرقمي" المتمثل في مجموعة من القدرات المعرفية والاجتماعية والانفعالية لتمكين الأفراد من مواجهة تحديات الحياة الرقمية والتكيف معها. يمكن صياغتها ضمن ثمانية محاور مترابطة:
·         الهوية الرقمية: بمعنى القدرة على تكوين وإدارة هويةٍ وسمعةٍ على الإنترنت، أي إدارة الحضور على الإنترنت على المدى القصير والبعيد.
·         الاستخدام الرقمي: القدرة على استخدام الأدوات والوسائط الرقمية، بما في ذلك القدرة على التحكم بتعامل متوازن بين استخدام مع اتصال بالإنترنت أو استخدام بدون اتصال.
·         الحذر الرقمي: بمعنى القدرة على إدارة المخاطر أثناء الاتصال عبر الإنترنت (تجنب محتوى التلاعب والاحتيال) وكذلك المحتوى الإشكالي (العنف والدعارة)، وكيفية تجنب هذه المخاطر والحد منها.
·         الأمان الرقمي: القدرة على كشف المخاطر الرقمية (الهاكر، والفيروسات والسبام) وتعلم أفضل الممارسات واستخدام الأدوات الأمينة وحماية البيانات.
·         الذكاء الانفعالي الرقمي: أي القدرة على التعاطف مع الآخرين، وبناء علاقات سليمة مع الآخرين عبر الإنترنت.
·         التواصل الرقمي: القدرة على التواصل والتعاون مع الآخرين باستخدام التقانات والوسائط الرقمية.
·         الإلمام الرقمي: بمعنى القدرة على البحث عن المحتوى وتقيمه والتحقق من صحته واستخدامه ومشاركته، وكذلك توليد محتوى، وتنمية كفاءة التفكير النقدي الرقمي.
·         الحق الرقمي: أي معرفة وفهم الحق القانوني الشخصي من خصوصية وحق ملكية فكرية وحرية التعبير والحماية من خطاب الكراهية.


وفوق كل ذلك يجب ترسيخ قيم إنسانية في الاحترام والتعاطف وعدم التسرع وغير ذلك من القيم بما يجعل استخدام هذه التقانة استخداماً عاقلاً مسؤولاً. أي يجب أن نعلم ونتعلم كيفية السيطرة على هذه التقانة دون أن تكون هي المسيطرة علينا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق