بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 10 يناير 2017

اللعب اللعب... للصغار والكبار


تعرّف المعاجم العربية كلمة "لعب" (الرجل) بأنه احتال عليه ومكر به، وسخر منه وهزئ. وأن لعب (الشخص) يعني أنه عمل عملاً لا ينفع، وهو معاكس للجد. أما في اللغات المشتقة من اللاتينية فأصل كلمة لعب من كلمة jocus التي تعني المزاح. ولكن معنى الكلمة في العربية تغير في فهم الناس للعب، والجميع يعترف بدوره وقيمته خاصة للأطفال الذين لا يعرفون سوى ثلاثة أفعال رئيسية هي: النوم والأكل واللعب. واللعب ليس مقصوراً على الإنسان، فصغار الحيوانات تلعب وكبارها أيضاً. وأن الكبار أيضاً يمارسون ألعاباً مختلفة لأهداف مختلفة تحمل وجهاً إيجابياً في مجملها وعلى أكثر من صعيد، ...لإراحة الذهن على الأقل كما يقولون.
 
اللاعبان لبول سيزان
وفي الواقع فإنه من الصعب إعطاء تعريف للعب في معناه العام. أحد من درس موضوع اللعب هو المؤرخ الألماني يوهان هويزنغا Johan Huizinga (1872-1945) الذي أسس ما يعرف اليوم باسم "تاريخ الثقافة"، فقال: "عند النظر إلى الخصائص الشكلية للعب فعلينا أن نصفه بأنه نشاط حر واع تماماً يقع خارج الحياة "العادية" على أساس أنه "غير جدي"، ولكنه في الوقت نفسه يشد اللاعب بقوة تماماً. وهو نشاط لا يتصل بأية فائدة مادية، ولا بأي ربح سيتحقق منه. وهو يجري داخل حدوده الخاصة في الزمان والمكان بحسب قواعد مثبتة بطريقة منظمة. وهو يساعد على تشكيل المجموعات الاجتماعية التي تحيط نفسها بالكتمان والاختلاف عن العالم العادي بالتمويه أو بوسائل أخرى". ومع أن هذا التعريف يبقى الأقرب إلى قبول دراسي اللعب، ولكنهم يعربون عن صعوبة الإحاطة بالموضوع عبر تعريف من عدة أسطر.

ولكن السمة الأوضح للعب هو اختلافه عن الواقع. فاللعب يتضمن أن يتحول اللاعب، أثناء اللعب، إلى شخص آخر، واستبدال الواقع ونظامه المشوش بقواعد محددة اختيارية للعب يجب احترامها تماماً، أي أن اللاعب يصنع عالماً آخر غير عالم الحياة اليومية. والدخول في اللعب يكون بلا تردد، وهو دخول واع يجعل اللعب أمراً يثير البهجة. واللعب هو اشتراك لانفعالات قوية (تثير الدوار ربما، وترتبط بمخاطر) مع الرغبة بالربح. واللعب هو في أصله "برئ"، ليس بهدف أي شيء، وأن كسب اللعب لا يعني إذلال الخصم، فإتاحة فرصة للخاسر أن يتعادل مع الفائز تبقى قائمة دائماً. وكل لعب جديد يبدو وكأنه بداية مطلقة، وأنه لا يؤسس لأي شيء ولا ينتج أي شيء، فهو في جوهره يمسح نتائجه بعد برهة قد تكون قصيرة للغاية. وهو بحسب الشاعر الألماني شيلر، ولد مثل الفن نتيجة فائض كبير في الطاقة الحيوية مقارنة إلى الحاجة، وهو من ثمّ فرصة خالصة لصرف الطاقة.

بقي أن نقول إن اللعب هو نشاط مستقل لا يرتبط بأي نشاط آخر، وهو لا قيمة له إلا أثناء ممارسته... يجلب مسرة عابرة للفائز وضيقاً عابراً للخاسر وأملاً عابراً أيضاً بفوزه في المرة القادمة،... وغير جانبه الترفيهي فهو يساهم في البناءالاجتماعي للكبار والصغار... والبعض يقول بأنه لا يترك أية ذكرى لربح أو خسارة، إلا قول: كم كنا نلعب عندما كنا صغاراً... أو شباباً ولم لا كباراً أيضاً.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق