بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 9 أبريل 2015

جلجامش في حلقات (2)/هومبابا



استقبلت جماهير المدينة إنكيدو وقدموا له الطعام والشراب ودلكوه بالطِيب فبدى رجلاً من رجال المدينة المتحضرين، في الظاهر على الأقل. ولكن جلجامش رفض مقابلته وطلب من شامهات أن تبعده عن ناظره. علّمت شامهات أنكيدو آداب التصرف والتهذب، وتغير إنكيدو تماماً. يرى إنكيدو في حلمه أنه في جهنم ويستنتج من ذلك أن نهايته قد أزفت. ومع هذا سيتصدى للملك الظالم. وفي ذات يوم يحضر إنكيدو عرساً ويمنع الملك من ممارسة حقه في تمضية الليلة الأولى مع العروس. يتصارع الرجلان الليل بطوله دون أن يتمكن أحدهما من الآخر. بعدها يصبحان صديقين.
كان جلجامش يتحرق شوقاً لتحقيق أمر يخلّد اسمه على مر العصور في ذاكرة الناس. ورأى أن وجود أنكيدو إلى جانبه سيحقق له ذلك، فقرر الاثنان معاً تحقيق مآثر خالدة. كان جلجامش يفكر في قتل العملاق هومبابا، وأعد لذلك ما يحتاجه من سلاح فتّاك. ولكنهما قبل أن يمضيا في مشروعهما يتضرعان لإله الشمس شاماش، ويزوران والدة جلجامش التي كانت راهبة لشاماش. تهيّب إنكيدو الأمر وحاول إقناع صاحبه بالعدول عن ذلك، وكذلك كان حال سكان أوروك، الذين حاولوا إقناع ملكهم بعدم المضي في هذه المغامرة. ولكنهما في النهاية انطلقا في مغامرتهما بعد أن قدما صلاتهما الأخيرة للإله شاماش.


يصل إنكيدو وجلجامش إلى جبل الأرز بعد ثلاثة أيام، وهي رحلة تحتاج عادة إلى شهر ونصف. وأخذا في قطع أشجار الأرز، ليصلا بعد ذلك إلى مدخل الغابة حيث يذهلا لفرط ضخامة الأشجار، طولها 72 ذراعاً وعرضها 24 ذراعاً.
مدخل الغابة محظور على البشر، يحرسه هومبابا الضخم. وهو شيطان فظيع، تشبه أسنانه أسنان التنين، ووجه وجه أسد، وقدماه براثن، يطلق صراخاً متعاقباً يجعل من يسمعه يتجمد رعباً. إضافة إلى كل هذا فإن هومبابا تحميه الآلهة، لذا فإن شاماش لن يتدخل إلا في اللحظة المناسبة. لا يمكن قهره من شخص بمفرده ولكن بإمكان الاثنان معاً أن يفعلا ذلك، فجلجامش يزيل من قلب إنكيدو الخوف الذي أخذ يغشاه. يدخلان الغابة معاً حيث تظهر جذوع الأشجار الضخمة ليتقابلا مع هومبابا الذي بادرهما ساخراً:
أي أحمق نصحكما بالمجيء إلى هنا؟
أنت برفقة إنكيدو،
ابن السمك؟
ابن السلحفاة؟
أمع هذا المتوحش تريد أن تتحداني؟
دارت معركة حامية، ولحسن الحظ أن تدخّل شاماش في المعركة مطلقاً رياحاً شديدة جعلت هومبابا يتسمّر في مكانه.
أيها الإله شاماش الذي وعد والدتي بأن يكون معي،
لا تتركني وحيداً ولا تبتعد عني، واسمعني،
وفي نهاية المعركة يضرع هومبابا لجلجامش ألا يقتله ويعرض عليه أفضل الأخشاب، وكاد جلجامش أن يقبل ولكن أنكيدو طالبه بقتل العدو، فعاجلاه بضربة قاضية. يهمهم هومبابا قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، لاعناً:
 فلتمحق صداقتهما،
وأن يموتا باكراً.
بالرغم من تعبهما، يحملان غنائمهما. تخيّم على جبل الأرز ظلمة دامسة. أدركا متأخران أن الآلهة لم تكن تريد هذه النهاية المأساوية لهومبابا. قرر إله الأرض إنليل الغاضب قتلهما، ولكن تدخل شاماش يغيّر ذلك بأن يموت إنكيدو لاحقاً.

الحلقة الثالثة    الحلقة الأولى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق